رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


بعد فاجعة «تالا» .. هل آن الأوان للتخلص من الخدم والسائقين؟

هزت مجتمعنا يوم الأربعاء قبل الماضي فاجعة مقتل الطفلة تالا الشهري ذات الأعوام الأربعة على يد خادمة إندونيسية في منزلها في مدينة ينبع. وتناول الإعلام هذه الحادثة وعرضها بكل فصولها ونقاطها الحرجة، وقد تكون هناك بعض المزايدات وإضافة بعض السيناريوهات، كما قد يكون هناك بعض الفصول التي لم تظهر جلية منها الأسباب الحقيقية لمقتل الطفلة، فليس من المعقول أن يكون سبب ارتكاب جريمة كهذه تنامي حزن الخادمة العميق بفراق الطفلة فقررت التخلص منها، فالبعض يرجح أن سبب إقدام الخادمة على جريمة القتل شعورها بفراق الطفلة نتيجة قرب سفرها، حيث يتردد في المنزل تعلقها الشديد بالطفلة، وبدأ هذا الشعور يتطور في عقلها الباطن إلى أن قررت القضاء عليها حتى لا يتعلق بها أحدٌ غيرها. أما صحيفة "المدينة" فقد ذكرت أن هناك رسالة جوال تسلمتها الخادمة يوم الحادثة كانت وراء دخولها في ثورة غضب عارمة، ما دفعها إلى ارتكاب الجريمة. والمبررات والدوافع والأسباب وتفاصيل الحادثة لا تهمنا كثيرا هنا؛ لأن فكرتي متعلقة بأصل المشكلة، وهي مدى الحاجة إلى العمالة المنزلية، وكيف تعود مجتمعنا على هذا الترف حتى أصبح وضعنا شاذا عن بقية دول العالم باستثناء دول الخليج الأخرى.
وقبل أن أكمل مقالي أريد أن أتوقف هنا وأستغل منبري هذا وأقدم التعازي لعائلة الطفلة البريئة "تالا" وأقول لهم: أحسن الله عزاءكم، ورحم الله ميتتكم، وربط الله على قلوبكم، فمصابكم جلل، وفاجعتكم عظيمة، وجرحكم غائر، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا- عز وجل: "إنا لله وإنا إليه راجعون". لكننا لا نريد أن يمر علينا موضوع كهذا مرور الكرام، فيجب أن نأخذه بجدية لنرى أين نحن من كل ما يدور حولنا. وحتى تصل فكرتي إلى القارئ الكريم سأحصرها في عدة نقاط أضعها على شكل أسئلة بسيطة لكنها تحتاج إلى إجابات مقنعة، صادقة، وصريحة، ترشدنا في النهاية إلى اتخاذ قرار نحمي به فلذات أكبادنا، ونعيد إلى الأسرة السعودية قيمتها واعتمادها على ذاتها واستقلالها في إدارة شؤونها، ولن نتمكن من ذلك إلا بتعاون الأسر السعودية- المتضررة من العمالة المنزلية- وبين الجهات المعنية والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة في بلادنا.
أول سؤال نحتاج إلى الإجابة عنه هو: هل هذه هي الحادثة الوحيدة والحالة الفريدة التي يتعرض لها الأطفال والمراهقون والنساء والرجال في بيوتنا على يد الخادمات والسائقين ومن في حكمهم؟ ألا يخطر ببالك أن هناك حالات أدهى وأمر كتم أصحابها أسرارها في صدورهم، وطوقوا أحداثها داخل بيوتهم ولم تظهر للرأي العام حتى لا يفتضح أمرهم؟ فنحن نسمع بين الوقت والآخر عن حالات مشابهة يتعرض أفرادها للأذى والتهديد من قبل الخادمات والسائقين، وقد يصل الوضع إلى التسبب في إزهاق أرواح وتشويه بدني وإيذاء نفسي واغتصاب وانتهاك أعراض وترويج مخدرات داخل البيوت، بعضها ظهر والكثير منها ما زال في طي الكتمان. وبلا شك أن هناك أسبابا متعددة تظهر وراء هذه الانحرافات، منها وفي مقدمتها نوعية العاملة التي تعمل في المنازل.
العمالة المنزلية التي تتولى مسؤولية إدارة منازلنا عبارة عن عناصر أتت من الطبقات الفقيرة في بلدان نحن نعرفها لتحسين أوضاعهم المعيشية وزيادة دخولهم المتدنية التي لم يستطيعوا أن يجاروا غيرهم في بلادهم، فآثروا اختصار الزمن وتحمل الغربة لبضع سنوات من أجل حياة كريمة يجنون ثمارها فيما بعد. وطالما أن الخدم والسائقين أتوا من أفقر طبقات المجتمع فهذا يعنى أن أغلبيتهم غير متعلمين، غير منضبطين أخلاقيا، ومنحرفون سلوكيا، ولم يرغمهم على قبول عمل كهذا سوى الحاجة والفاقة، وقلة ما في اليد، فما الذي يُلْجِئ امرأة في ربيع عمرها إلى أن تفارق أهلها، وتهجر مخدعها، وتنسى ذكرياتها، ومرتع طفولتها، ومهد صباها من أجل أن تعمل خادمة - في حكم الأمة - في بلاد لا تعرفها، وبين أناس لم يسبق لها أن رأتهم، يختلفون عنها في عاداتهم وقيمهم ولغتهم، وأحيانا دينهم؟ فلن يقبل بالعمل في هذه المهن الوضيعة أصحاب المؤهلات ومن تخرج في الجامعة أو أتقن مهنة، كما لا تتوقع أن يأتي إلينا للعمل في منازلنا بمبلغ زهيد من أجل السياحة أو لتعلم اللغة العربية أو لأداء فريضة الحج أو العمرة. والعجب كل العجب أننا جميعنا مدركون حقيقة من يعيشون بيننا من الخدم والسائقين، لكننا نغض الطرف حتى تسير أمورنا ونحقق مبتغانا، فقد اعتدنا الاتكالية، وأدمنا الراحة وإظهار الارستقراطية الوهمية.
أما السؤال الآخر الذي يظهر لنا من فاجعة مقتل الطفلة "تالا" فهو: هل نحن بالفعل في حاجة إلى الخدم والسائقين والمربين ونحن نراهم يصولون ويجولون في منازلنا، ويطلعون على أسرارنا، ويمارسون أبشع الجرائم ضد الأطفال والمراهقين والنساء والرجال سرا وعلانية؟ نريد أن نعود إلى أنفسنا ونقيم ذاتنا ونجيب عن هذا السؤال بصراحة: هل من الممكن أن نستغني عن العمالة المنزلية ونربي أنفسنا ومن هم تحت أيدينا حتى نكون قادرين على إدارة منازلنا دون الحاجة إليهم؟
هل من الممكن بعد هذه الجرائم البشعة للعمالة المنزلية أن نتبنى خطة استراتيجية على مستوى الدولة للتخلص من هذا الوباء ونقوم بتحرير الأسر السعودية من حالة الاعتماد الكلي على شعوب أخرى للقيام بأعمال هي من صلب عمل الزوج والزوجة والابن والبنت داخل الأسرة الواحدة؟ وسأتوقف هنا وأترك الإجابة للقراء الكرام لعلهم يصلون بأنفسهم إلى إجابات مقنعة ترسم لنا خريطة طريق تحرر مجتمعنا من الاعتماد على الخدم والسائقين حتى نعيش آمنين مطمئنين صابرين كبقية شعوب العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي