الغاز الصخري لن يجعل أوروبا مكتفية ذاتيا

لقد أثرت الطفرة في إنتاج الغاز الصخري (السجيل الغازي) إيجابا في صناعة الغاز الطبيعي في أمريكا الشمالية، حيث تمكنت الشركات العاملة في مجال إنتاج الغاز غير التقليدي من تعويض تضاؤل إنتاج الغاز من الحقول التقليدية في الولايات المتحدة وحولتها من بلد مستوردة للغاز إلى مكتفية ذاتيا وربما مصدرة في المستقبل القريب. على الصعيد العالمي، أدت طفرة الغاز الصخري إلى توفير إمدادات أكبر من الغاز الطبيعي المسال إلى الأسواق العالمية، وبصورة غير مباشرة أثرت على أسعار الغاز في الاتحاد الأوروبي.
بخلاف مصادر الغاز التقليدية، موارد الغاز الطبيعي غير التقليدية منتشرة جغرافيا على نطاق واسع في جميع مناطق العالم، بما في ذلك أوروبا. لذلك احتمالية تطوير هذه المصادر قد يقدم عدة فوائد لأمن الإمدادات في أوروبا من بينها، خفض أسعار الغاز الطبيعي، وفرة أكثر في الإمدادات للأسواق الأوربية، تخفيف حدة الطلب في الأسواق العالمية وتنوع إمدادات الغاز للاتحاد الأوروبي. لكن وفرة الاحتياطيات الغازية غير التقليدية وتوافر التكنولوجيا المطلوبة لا يعني بالضرورة إمكانية استثمارها بصورة اقتصادية ومستدامة في الوقت الراهن، على الرغم من أهميتها.
لقد أصبح إنتاج الغاز الصخري إحدى قضايا الساعة في أوروبا، حيث جذب اهتمام العديد من المعنيين في أسواق الغاز وفي نفس الوقت أدى إلى ظهور عدد من المخاوف بين الرأي العام. لكن مع ذلك، التركيز المتزايد على مصادر الغاز الطبيعي غير التقليدية لم يأت من دون خلاف، تجدر الإشارة هنا إلى أن البعض يرى أن إنتاج الغاز من هذه المصادر قد يكون له العديد من التداعيات السلبية على البيئة والمناخ.
لقد صدرت مؤخرا عدة دراسات جديدة من قبل مركز البحوث المشترك للاتحاد الأوروبي بخصوص أفاق تطوير مصادر الغاز غير التقليدية، مدى قابليتها على تلبية احتياج أوروبا من الغاز وتداعياتها المحتملة على البيئة. في جانب توفير الإمدادات، تشير إحدى الدراسات إلى أن تطوير مصادر الغاز الصخري لن يجعل من أوروبا مكتفية ذاتيا من الغاز الطبيعي، في أحسن الأحوال تطوير هذه المصادر سوف يساعد أوروبا على التعويض عن تراجع إنتاج الغاز من المصادر التقليدية ويحافظ على المستويات الحالية من الواردات.
أفضل سيناريو في هذا الجانب يتوقع استمرار أوروبا باستيراد نحو 60 في المائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، حيث إن إنتاج الغاز الصخري سوف يعوض تراجع الإمدادات التقليدية. كما أن الغموض بخصوص حجم احتياطيات الغاز الصخري وتكاليف الإنتاج يلقي بظلاله على جدوى تطوير هذه المصادر وعلى الأسعار. علاوة على ذلك ارتباط أسعار الغاز الطبيعي بأسعار النفط Oil-indexing، سوف تحد من أي احتمالية لانخفاض أسعار الغاز الطبيعي من جراء تطوير مصادر الغاز الصخري.
لكن التوسع في الإنتاج العالمي من مصادر الغاز غير التقليدية سوف يكون له انعكاسات مهمة على تجارة الغاز العالمية. على سبيل المثال، النمو العالي في الطلب على الغاز ومحدودية تطوير مصادر الغاز الصخري سوف تكون أكثر مواتية على تعزيز سوق الغاز الطبيعي المسال، في حين أن ارتفاع إنتاج الغاز الصخري منخفض التكاليف قد يخفض المتاجرة في الغاز الطبيعي المسال المكلف نسبيا، ما لم تنخفض أسعار الشحن بشكل ملحوظ. في مثل هذه الحالة الصادرات الأسترالية من الغاز الطبيعي المسال سوف تكون الأكثر تضررا. الصين سوف تلعب دورا حاسما في توازن تجارة الغاز الطبيعي المسال، حيث إن تطوير مصادرها من الغاز الصخري سوف يخفض بشكل كبير من احتياجاتها الاستيرادية من الغاز الطبيعي المسال، الذي من المتوقع أن يرتفع بشكل كبير.
إن تطوير مصادر الغازي الصخري على نطاق واسع سوف يكون له تأثيرات أقل على تجارة خطوط الأنابيب، على الرغم من أن خطوط الأنابيب ذات الطاقات العالية والمسافات الطويلة عالية الكلفة مثل خط الأنابيب الجنوبي وخط نابوكو، من الممكن أن تقل قدرتها على التنافس بصورة كبيرة باستخدام مصادر الغاز غير التقليدية.
لكن انخفاض تكاليف الشحن للغاز الطبيعي المسال وارتفاع إمدادات الغاز الصخري بصورة كبيرة قد يضع المزيد من الضغوط على تجارة خطوط الأنابيب، على الرغم من أن شرق أوروبا من المرجح أن يستمر في الاعتماد على إمدادات خطوط الأنابيب الروسية بصورة كبيرة.
إن تطوير مصادر الغاز الطبيعي غير التقليدية في أوروبا لا يزال يجابه عددا كبيرا من التحديات ذات الصلة بالتشريعات واللوائح، هذه التحديات تتطلب وضع إطار تنظيمي مناسب لكي تتمكن الصناعة من تطوير مصادر الغاز الصخري في أوروبا بصورة مستدامة. إضافة إلى التحديات الفنية، التسويقية والتنظيمية، قام مركز البحوث المشترك للاتحاد الأوروبي بإجراء دراسات عن الأثر البيئي الناجم عن تطوير مصادر الغاز الصخري، وكذلك المخاطر المحتملة المرتبطة من عمليات التكسير الهيدروليكي على صحة الإنسان والبيئة. حسب هذه الدراسات، إنتاج الغاز الصخري في الاتحاد الأوروبي قد يسبب انبعاثات أكثر من الغازات الدفيئة مقارنة بالانبعاثات الناتجة من الغاز الطبيعي المستخرج من المصادر التقليدية المنتجة في أوروبا. في الوقت نفسه تشير هذه الدراسات إلى إمكانية خفض انبعاثات الغازات الدفيئة من مصادر الغاز الصخري بصورة كبيرة، إذا ما أديرت عمليات التطوير والإنتاج بشكل جيد، حيث يمكن خفض هذه الانبعاثات إلى مستويات أقل من تلك الناجمة عن استيراد الغاز من خارج الاتحاد الأوروبي، سواء كان ذلك عبر خطوط الأنابيب أو الغاز الطبيعي المسال، وذلك لأن المسافات الطويلة لنقل الغاز ينطوي عنها انبعاثات كبيرة.
كما أن إنتاج الغاز الصخري يشكل مخاطر عالية للمياه السطحية ويلوث المياه الجوفية، يستنزف موارد المياه، يثير الضوضاء، ويؤدي إلى اضطرابات للتنوع البيولوجي. لذلك يصر كثير من المسؤولين بضرورة وضع إطار تنظيمي ملائم لتمكين الصناعة من تطوير مصادر الغاز الصخري في أوروبا بصورة مستدامة.