قوة العمل ونسبة البطالة .. أرقام وتقارير
عادة ما نسمع تصاريح تتضارب كليا مع الأرقام، التي يمكن أن نجدها بصعوبة من جهات رسمية هي المسؤولة عن إصدار هذه الأرقام والمؤشرات. ومن هذه التصاريح التي تثير الاستغراب ما صرح به ديفيد روبنسون مدير إدارة الأبحاث في صندوق النقد الدولي، لصحيفة "الاقتصادية"، الذي أكد "أن العمالة الوافدة التي تكتظ بها الأسواق وأماكن العمل في السعودية لا تعد منافساً مباشراً للمواطنين على الوظائف، وقال: إن سوق العمل في السعودية ـ كما هي الحال في البلدان الأخرى في مجلس التعاون الخليجي ـ ذات طابع فريد إلى حد ما، من حيث الأعداد الكبيرة للعمالة الوافدة، وتعمل معظم الأيدي العاملة الوافدة في وظائف تعاني نقص العمالة السعودية في الأصل، وبالتالي لا تعد منافساً مباشراً للمواطنين السعوديين" (العدد، 6925). هذا الكلام قد يكون مقبولا قبل 30 عاما. لكن في هذا الوقت الوضع تغير كثيرا، ولو اطلع روبنسون على الأرقام الصادرة من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات (على الرغم من ضآلتها) لتغير رأيه، أو على الأقل لقال إن المواطن السعودي يجد منافسة شرسة في كثير من الوظائف من العمالة الوافدة.
#2#
وفقا لنتائج مسح القوى العاملة للنصف الأول من عام 2012، تشير الأرقام إلى وجود نحو عشرة ملايين وظيفة في القطاعين العام والخاص في السعودية (10,136,393)، موزعة على 16 قطاعا وظيفيا. أكبر قطاع يستحوذ على الفرص الوظيفية في السعودية قطاع تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 16.7 في المائة (يمثل السعوديون فيه 17.3 في المائة)، والقطاع الثاني الإدارة العامة بنسبة 16.2 في المائة (يمثل السعوديون فيه 97.5 في المائة)، القطاع الثالث التشييد والبناء بنسبة 14.5 في المائة (يمثل السعوديون فيه 7.6 في المائة)، القطاع الرابع التعليم بنسبة 11.7 في المائة (يمثل السعوديون فيه 88.8 في المائة)، القطاع الخامس الأسر الخاصة بنسبة 9.4 في المائة (يمثل السعوديون فيه 0.2 في المائة)، القطاع السادس الصناعات التحويلية بنسبة 7 في المائة (يمثل السعوديون فيه 18.8 في المائة)، القطاع السابع الصحة والعمل الاجتماعي بنسبة 4.8 في المائة (يمثل السعوديون فيه 54 في المائة)، القطاع الثامن الزراعة والصيد بنسبة 4.4 في المائة (يمثل السعوديون فيه 36.2 في المائة)، القطاع التاسع النقل والتخزين والاتصالات بنسبة 4.3 في المائة (يمثل السعوديون فيه 45.1 في المائة)، القطاع العاشر الأنشطة العقارية بنسبة 3.4 في المائة (يمثل السعوديون فيه 39.5 في المائة)، القطاع الحادي عشر الفنادق والمطاعم بنسبة 2.9 في المائة (يمثل السعوديون فيه 7.9 في المائة)، القطاع الـ 12 الخدمات الجماعية والاجتماعية بنسبة 1.6 في المائة (يمثل السعوديون فيه 34 في المائة)، القطاع الـ 13 التعدين بنسبة 1 في المائة (يمثل السعوديون فيه 85.5 في المائة)، القطاع الـ 14 الوساطة المالية بنسبة 1 في المائة (يمثل السعوديون فيه 73.2 في المائة)، القطاع الخامس عشر الكهرباء والغاز والمياه بنسبة 0.9 في المائة (يمثل السعوديون فيه 60.1 في المائة)، وأخير القطاع الـ 16 المنظمات والهيئات الدولية بنسبة 0.1 في المائة (يمثل السعوديون فيه 16.9 في المائة).
من خلال الأرقام السابقة يتضح أن نسبة الوظائف المشغولة بسعوديين في مجمل الوظائف المتاحة في السعودية تعادل 41.9 في المائة (أي ما يوزاي 4,251,723 موظف وموظفة). وأن نسبة الوظائف المشغولة بوافدين تعادل 58.1 في المائة (أي ما يوازي 5,884,670 موظف وموظفة).
وبالانتقال إلى موضوع البطالة في السعودية، فالحقيقة إنه يصعب الاعتماد على رقم واحد في حسابها لاختلاف مصادر الأرقام، وعدم اتفاق هذه الجهات على أرقام محددة. لكن سأعرض هنا رقمين وللقارئ الاختيار بين أيهما أقرب إلى تفسيره لمعنى البطالة. الرقم الأول لمعدل البطالة في السعودية يعتمد على الأرقام المنشورة من قبل مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات بالاعتماد على نتائج مسح القوى العاملة لعام 2012. كما أشرنا أن عدد الوظائف المشغولة في السعودية هو 10,136,393، وأن التقرير يشير إلى أن العاطلين عن العمل من الجنسين يصل عددهم إلى 615,249 (منهم 58.8 في المائة من المواطنات). فإن نسبة البطالة، وفقا لهذا التقرير تكون [عدد العاطلين عن العمل / (عدد الوظائف المشغولة + عدد العاطلين عن العمل)]*100 ما يعني [615,249 / (10,136,393+615,249)]*100= 5.7 في المائة.
ولكن نظرا لوجود بيانات تعتبر أكثر دقة وهي بيانات المستفيدين من نظام حافز (وهو الإعانة الحكومية الممنوحة للقادرين على العمل، ولكن لا يجدون فرصة عمل مناسبة) والبالغة 1,300,000 منهم (86 في المائة من المواطنات)، فإن نسبة البطالة ستظهر كالتالي: [1,300,000/(10,136,393+1,300,000)]*100= 11.4 في المائة.
فرق كبير بين الرقمين الظاهرين من جهتين معتمدة، لكن الأمر الذي نعتمد عليه هنا أن مجتمعنا يعاني نسبة بطالة عالية، في ظل وجود فرص وظيفية مهدرة في قطاعات تتناسب مع قدرات المواطنين على شغل هذه الوظائف، إضافة إلى وجود مؤشرات خطيرة على عدم انتفاع الوطن بما يُنفق للقوى العاملة الوافدة والتي تشغل أكثر من 58 في المائة من قوة العمل الحالية في السعودية، والمتمثلة في التحويلات الخارجية السنوية.
ويبقى القول أن وجود جهة تتبنى مثل هذه الأرقام وإبرازها للإعلام وللمستفيدين من إجراء الدراسات عليها، يعد أمرا مهما وضروريا لتسيير الخطط في مسارها الصحيح لخدمة الوطن. وبعيدا عن العبارات الإنشائية، التي تبعث على الاطمئنان والركون لما هو حاصل.
#3#