رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حبات الرمل والمؤسس الملك

العيد الوطني، يوم واحد لوطن جليل بجلال مكة، وعظيم برفعة طيبة وما حوت، وعريقة الجذور في التاريخ من لدن إبراهيم الخليل، وثمان موسى لشعيب والعشر الحجج! عاد كانت على مهد حضارتها هنا، ثمود وصالح.. الجمال الذي لم يخله جمالا في البلاد..! هي حضارة حبات الرمل في الطهر، وفي الصلابة.. وفي الصبر..، وفي الكرم النبيل للعابر.. السابر بقدميه سفرا لا يحتمله، ويتقاصر دون البلاغ له.. لولا كرائم هباتنا نحن العرب الرواحل حين ذاك..! في إيثارنا على أنفسنا رغم ضامر الضرع، وقليل اللبن، ونزر الشجر.. وضراوة الظمأ واليابس. كريمة النفوس على ضوامرها، سخية وإن رق العظم جوعا، وتباعد ما بين السعي والمنال الدروب..! حتى طويت قرون في مسعاها.. وطويت قرون بمكارمها ونبل الصفات فيها.
يوم لوطن، نطوي فيه مطاوي الكثبان التي مشاها المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود ـــ رحمه الله تعالى ــــ، موحدا شتاتها، جامعا عذوبة نبعها، حاملا ريح سليمان خلف عباءته، على خفاف الخف والحافر.. رملا في تلافيح يطويها وينشرها ويطويها.. حتى مطلع البحرين يلتقيان.. البحر الغربي البحر الأحمر، والبحر الشرقي بحر الخليج العربي خاط لهما بالمغازل وحدة جامعة لونها أخضر، شامخة بقلب راعيها، واهب المحراث لكل الدروب المقفرة، والبناء لجدار أيتام المدينة قبل أن ينقض..! متباعد الوثبات عن مزالق التقسيم ودواعيه، جامعا المرذول قبل العزيز من أطرافها، لا طمعا فيه، ولكن بصرا بما لم يبصروه قومه وزمانه ورجاله.
يوم لوطن..! كان صاحب الراية وحاملها، في دهاء متفرد غريبا في الزمان، غريبا في المكان، غريبا في الشعور ذاك ــــ دهاء التباعد عن القتل وسببه ــــ الخصوم بكل العض على العظام، والخصومة الموجعة، يجعلهم نسبا وصهرا ويدنيهم نجيا.. ويلبسهم الثقة، ويجللهم بالكرم، وينوط إليهم ما هم قادرون على النجاح فيه.. والنبوغ في تحقيقه!
عن قرب قال رجل في حماسة غضب عنه: ''ملك جاهل يحكم شعبا جاهلا!'' عصرته القاهرة برحاها الثقيلة، باع ما يملك، ثم باع ما لا يملك، وعند تساوي الموت والحياة.. كتب إلى الملك عبد العزيز ــــ رحمه الله تعالى ــــ يلتمس منه مغفرة! كان الملك يكره أن تفقد العطية متعتها بطول انتظارها، وطول الترقب لها. حتى إذا وصلت وكأنها قد استوفت أضعاف فرحها وسرورها من قلق الانتظار وخوفه! قال الملك له: إن البلد مثل الأم لا يضيق صدرها على أحد من أبنائها وإن عقها..! فمرحبا بك.. حينئذ قابله الملك ــــ رحمه الله تعالى ــــ وقال له: إنك تراني جاهلا وترى شعبي جاهلا مثلي، حسنا.. إني جاعلك وزيرا للتعليم، لكي تخرجنا جميعا من هذا الجهل الذي نحن فيه! مادت الأرض تحت قدميه، حاصرته كلمة مريم عليها السلام ''يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا'' هل هذا القلب، وهذا العقل، وهذا الوعي هو ''ضرورة المرحلة'' حين ذاك! كان ملح طعام البلاد، وسقي المساقي لوحدتها، هذا رجل أتقن لمرات كثيرة ـــــ تفويت الفرص ــــ على كثيرين! يرصد اتجاه الريح قبل هبوبها وعنفوانها وغضبها، يتزاور إلى حيث تسلم الأرواح من القتل، لكي لا يكون نصرا مجللا بالكثير من الدم.. ذاك نوع من الانتصار يشبه العار لمن يناله أو ينتهي إليه، يقف على مسافة محبة.. اتركوا الجنود الأتراك إلى أهلها تعود! اتركوا الولاة وعائلاتهم تختار سبيلها بالبقاء أو الرحيل! حذار أن تقتربوا مما حوت رواحلهم! على ضفاف مملكته شجر مختلف في ''مذاق اعتقاده'' شيعة إسماعيلية زيدية.. وكثير غيرها، وحوله من يتربص، رابض على طرف سيف، ورأس رمح يتشوق لجسد يخترمه قتلا..! أو الدخول في عقيدة الفاتح الملك، الباسط ملكه، الباسط مملكته، القابض على مفاتيح المدائن بيده.
نشر عدله.. أسدل النسر جناحيه.. وقال الخلود، والتاريخ كلمته! حين دخل بالتواضع المجلل بالنصر القطيف والأحساء، لم يرق مقدار محجمة دم! لم يصادرهم، لم يجعلهم سبيا ولا رقيقا! ولا تصاغر في نظر ما يملكون.. وهو حينئذ كان شديد الإملاق.. شحيح الموارد ويكاد بعضهم يرص جدران بيته ذهبا وفضة! ما داهم بيوتا مظنة الذهب المكنون فيها، ولا أرهب تجارها ليعطوه ما يبقيهم على قيد الحياة. كما هي سيرة الأتراك وحكامهم.. قال فيهم حقا.. وحكم بينهم عدلا.. وترحل من بينهم.. تاركا عليهم عدله.. وعطاياه.. وحنانه!
هذا يوم لوطن.. يطوينا جماله.. ولا نطويه.. ويتصاعد من بين كل حبة رمل موقف.. نحن في فقر شديد إليه.. نحتاج إليها ونحن إليه.. نتأمل المنابع.. ونتأمل السلوك.. والعقل.. والقلب.. علها.. تروي فينا تعايشا وحبا وانتماء لوطن يتكامل بوعي شعبه وحكامه كل يوم. كما يتكامل وجه القمر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي