الطاقة الشمسية الأنسب لذروة الطلب

في تصريح منسوب إلى أحد إخواننا، في مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، في مجرى حديثه عن مستقبل مشاريع الطاقة النووية في المملكة، ذكر في تعليق له عن الطاقة الشمسية في صحيفة ''الشرق''، بتاريخ الثامن من أيلول (سبتمبر) 2012، أن تكلفتها تساوي خمسة أضعاف تكلفة الإنتاج من النفط والمفاعلات النووية. وإن لم تكن هناك غلطة مطبعية، فإننا نشك في صحة نسبة هذه المعلومة إلى المتحدث الفاضل. وقد يكون ناقل الخبر قد أخطأ في فهم مضمون الحديث. لأن هذا يتناقض تماماً مع ما هو معروف اليوم لدى معظم المتابعين لشؤون مصادر الطاقة، من أن تكلفة توليد الطاقة من الأشعة الشمسية أصبحت تنافس المصادر النفطية والنووية، حتى لو أن التصريح ذكر أن الغبار الشديد الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة هو من عوامل رفع تكلفة الطاقة الشمسية. وهذا فيه شيء من الصحة ولكن ليس بالقدر الذي أشار إليه الخبر. وفي الوقت نفسه، فهناك حلول كثيرة لمسألة الغبار والعوالق الترابية، بعضها معروف والبعض الآخر لا يزال تحت الدراسة في مراكز البحوث والمختبرات. وهناك احتمال وارد، وهو أن المقارنة ربما كانت بين تكلفة الطاقة الشمسية مع الأسعار المحلية المخفضة للوقود، وهي مقارنة لا معنى لها على أرض الواقع. فبرميل النفط الذي يباع محلياًّ بخمسة دولارات، قيمته الحقيقية أكثر من 100 دولار. ولكن هناك حقيقة ثابتة يجب ألا تغيب عن أذهاننا، وهي أن لا مفر لنا من الطاقة الشمسية على المديين القريب والبعيد. فاليوم نحن في حاجة ماسة إليها من أجل تغطية ذروة الإنتاج الكهربائي التي تتوافق مع ذروة العطاء الشمسي، وهذا سيستمر إلى ما لا يقل عن 20 عاماً. وسيكون له مردود اقتصادي كبير لأنه يوفر علينا إنشاء مرافق توليد تقليدية كبيرة ومكلفة، فقط من أجل الطلب وقت الذروة. وعلى المدى البعيد، فعندما تنضب جميع الموارد القابلة للنضوب، لن يكون أمامنا إلا اللجوء إلى الله ثم إلى الطاقة الشمسية التي لا تنضب.
ونرى أنه من المفيد أن نذكر في هذا المقام معلومة عن عقد آخر مشروع لتوليد الطاقة الشمسية أبرِمَ أخيرا في الولايات المتحدة، بسعر عشرة سنتات لوحدة الكيلو وات ساعة، لمحطة توليد من الحجم المتوسط، بين شركة ''الطاقة الشمسية'' وإحدى شركات الكهرباء في ولاية كاليفورنيا. وبالمناسبة، فقد تقدمت أكثر من جهة متخصصة لبناء مرافق توليد الطاقة الشمسية في المملكة بسعر يقل عن عشرة سنتات للوحدة، ما يضع الطاقة الشمسية في واجهة المنافسة مع الطاقتين النفطية والنووية معاً، وعلى وجه الخصوص في حالة وضعها في مجال أوقات الذروة. ولعله من نافلة القول لفت النظر إلى أن تكلفة إنشاء مرافق الطاقة الشمسية تقِل مع مرور الوقت، كما شاهدنا خلال السنوات العشر الماضية. ولكن على الرغم من التوجه الواضح لدى المسؤولين في المملكة، من أكثر من موقع، نحو استراتيجية التحول إلى الطاقة الشمسية كمصدر أساس لتوليد الطاقة الكهربائية، إلا أن ذلك يسير ببطء شديد لا يتناسب مع أهمية الموضوع المربح اقتصادياًّ.
وبما أن التصريح المذكور آنفاً في صحيفة ''الشرق'' كان مركَّزاً على مستقبل الطاقة النووية، وتأكيده على أن مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة ماضية في تنفيذ ما أعلنته في أكثر من مناسبة، وهو القيام بإنشاء 16 مفاعلاً نووياًّ لتوليد الطاقة الكهربائية خلال أقل من 20 عاماً، فلنا عليه تعليق بسيط نرجو أن يتقبله المسؤولون في المدينة بصدر رحب. فمن حيث السلامة والأمان والتكلفة الباهظة وتعقيدات التشغيل والصيانة والتأثير البيئي وحجم الخسائر المالية والبشرية في حالة حدوث عطل كارثي، كل ذلك لا يصب في كفة ترجيح المرافق النووية. فنحن نعرف الكثير عما يخص صناعة ومكونات مرافق الطاقة الشمسية وإمكانية توطينها وبناء منشآتها وتشغيلها بأيد وطنية، بعد تدريب وتأهيل قصير، وانعدام مؤشر الخطورة في مرافقها. وكان بودنا لو أن المسؤولين في مدينة الملك عبد الله يوضحون للمواطن التكلفة الحقيقية للمفاعل النووي الواحد والخطوات التي ستتبعها المدينة في تحضير عقود التشغيل والصيانة مع الطرف الأجنبي. والتكلفة الكاملة يجب أن تشمل قيمة المعدات وعملية الإنشاء وتقدير قيمة الوقود النووي الذي من المتوقع أن يتضاعف عشرات المرات مع مرور الوقت ومع احتمال ندرة وجوده، وكذلك التأمين التجاري والحراسة الأمنية المكثفة والعناية المكِلفة بالمخلفات النووية المُشعة وتطهير الموقع بعد انتهاء عمر المرافق من الإشعاعات الضارة وهي بذاتها عملية مُكلِفة. ولا بُدَّ أيضا من أن نضع في عين الاعتبار نسبة حدوث خلل فني أو خطأ بشري أو اعتداء خارجي يؤدي إلى وقوع كارثة بيئية وإنسانية لا يعلم مداها إلا الله، ولا يستطيع أحد على الإطلاق أن يتنبأ بمجمل الخسائر المالية والبشرية التي ستنجم عن أي حادث كارثي من جراء وقوع الأعطال. فإذا أخذنا كل هذه العوامل في الحسبان وصلنا إلى صيغة مقبولة للمقارنة بـمصادر الطاقة الأخرى. ولكن الأهم من كل ما ذكرنا، هو أن تشغيل وصيانة المرافق النووية سيكونان بأيد أجنبية لعدة عقود، نظراً لعدم وجود الأيدي الوطنية المدربة على مثل هذه الأعمال عالية التقنية وشديدة الخطورة. ولنا أن نتخيل كم من الوظائف التي سيوفرها مبلغ 100 مليار دولار للمواطن في صناعة وبناء وتشغيل مرافق الطاقة الشمسية، وهي تبلغ عشرات الألوف، مع المرافق النووية التي لن تتعدى أعداد الحراسة الأمنية خارج أسوار المعامل.
وإذا كان لا بد ولا مهرب من اللجوء إلى الطاقة النووية، لأسباب جوهرية أو استراتيجية نحن لا نعلمها، أليس من المنطق أن نبدأ المشوار بمعمل واحد حتى نتأكد من قبوله وملاءمته حياتنا وظروفنا ومستوانا العلمي والتقني؟ أما فيما يتعلق بموضوع مستقبل الطاقة النووية عالمياًّ، فليس صحيحاً، كما ذكر الخبر، أن ألمانيا (وكذلك اليابان) تخلت عن المرافق النووية لمصلحة توافر الغاز الرخيص. فإذا كان سعر الغاز مناسباً اليوم فهو لن يكون كذلك في المستقبل القريب، وهم يعلمون ذلك. فالغاز مادة ناضبة، ومع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية خلال السنوات القليلة المقبلة، سوف حتما يؤدي إلى رفع أسعاره إلى مستويات قياسية. والأصح أنهم أرادوا التخلص من المفاعلات النووية لخطورتها، رغم إمكاناتهم التقنية والبشرية الهائلة التي نفتقدها نحن. وكذلك تُخطط اليابان، وهي من الدول التي تفتقر إلى كثير من الموارد الطبيعية وللسبب نفسه المتعلق بسلامة المنشآت النووية. وقد ألمحت ألمانيا إلى أنها ستتحول إلى الطاقة الشمسية بدلاً من الاعتماد على المفاعلات النووية التي في طريقها إلى الزوال. وقد بدأت فرنسا أيضا بالتحدث عن استراتيجية جديدة تقلل من اعتمادها على الطاقة النووية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي