رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل انتصر المسلمون لنبيهم؟.. المقاطعة الدنماركية مثالا

بيّنت في مقال الأسبوع الماضي وجهة نظري حيال الأسباب التي دعت بعض الشعوب والحكومات للإساءة إلى نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم. وعرضت ثلاثة أسباب أراها رئيسة من وجهة نظري، وأنا متأكد أن لديكم الكثير. فمن أهم أسباب تعمد النيل من المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إشغال العالم الإسلامي والزج به في دوامة لا تهدأ من التشتت الفكري والعراك النفسي والاضطراب الاجتماعي من أجل أن يبقى في حالة من التخلف والتبعية ويظل شغله الشاغل الدفاع عن رموزه الدينية. أما السبب الآخر فأظنه الرغبة في تقسيم العالم إلى محورين: الأول ''إرهابي'' ويمثله بطبيعة الحال المسلمون، والآخر ''حضاري'' وهم بقية الأديان والأجناس والأعراق، وقد يكون هذا امتدادا للحرب على الإرهاب التي بدأها بوش الابن بعد أحداث سبتمبر. أما السبب الثالث فيتمثل في الحقد الدفين على ذلك النبي الذي استطاع أن يؤلف بين قلوب العرب المتناحرة ويلم شتاتهم ويصنع منهم قادة ويبني بهم حضارة ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين. والأدهى والأمر أن دينه الذي أتى به لم يبق رهين جزيرة العرب، بل شرق وغرب وأزال إمبراطوريات من جذورها واجتث حضارات من أصولها، وفتح حصونا منيعة، ودمر قلاعا عتيدة. وأيا كان السبب، فإننا يجب أن نعي وندرك أن مثل هذه الإساءات لم تزد ''محمدا'' إلا محبة في قلوب أتباعه، ورفعة وإجلالا في نفوس المعجبين به، وعلما ومعرفة في الذين لم يسمعوا به. ونحن وإن كانت هذه الإساءات المتعاقبة لنبينا ورمز ديننا تؤذينا وتجرح كبرياءنا وتقض منامنا، إلا أننا يجب أن نتعامل معها بحكمة ومعرفة، ونتخيل لو أن ''محمدا'' بيننا كيف كان سينظر إليها؟ فإنني أرى طريقة المسلمين في التعامل مع الأزمة غير مجدية ألبتة. فالمظاهرات التي تعصف بالعالم الإسلامي للدفاع عن الحبيب - صلى الله عليه وسلم - لا تجدي نفعا، فضررها على المسلمين شعوبا وحكومات أكثر من نفعها. كما أن اقتحام السفارات وتحطيم الممتلكات يتنافى مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وإذا كنا نرى أنه من حقنا أن نحطم سفارات وقنصليات الدول التي سمحت لإعلامها بنشر الفرية عن الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم ـ فهناك في أراضيهم سفاراتنا وقنصلياتنا وأبناؤنا وبناتنا وقد نتفاجأ باحتجاز سفرائنا وحرق سفاراتنا وقتل أبنائنا وبناتنا على مبدأ المعاملة بالمثل.
كما أن ''المقاطعة'' التجارية للمنتجات والسلع لن تجدي فتيلا والمثال أمام أعيننا ما زال قائما. فما نتائج مقاطعة المنتجات الدنماركية؟ نراها بدأت قوية عاتية لدرجة أن بعض الشركات الدنماركية تستبدل علامتها التجارية من أجل التسلل إلى أسواق الدول الإسلامية، لكن الأمر لم يدم طويلا. فما هي سوى أشهر قليلة حتى عاد الأمر إلى سابق عهده، فها هي الشركات الدنماركية تجوب أطوال العالم الإسلامي وعرضه وتستقبل بالأحضان في أغلبية مناطقه، بل تنافس بكل قوة لأن المسلمين أنفسهم كسروا الحصار الذي فرضوه على المنتجات الدنماركية عندما هدأت نفوسهم، ونزع عنهم الغضب، وذهب عنهم الروع، وإلا فالدنمارك لم تعتذر قط عن الإساءة.
يجب أن نكون أكثر عقلانية وأن نعلم أننا دول لم تكتمل بنيتها التحتية بعد وليس لدينا أبسط المقومات للمواجهة، فعلينا أولا وقبل كل شيء أن نبني دولنا ونقيم مؤسساتنا، وقبل هذا وذاك علينا أن نضبط سلوكياتنا ونعي واقعنا. نحن لا نستطيع أن نمنع الغير من النيل من موروثنا برسومات أو أفلام أو كتابة القصص وتلفيق الأكاذيب والتهكم على رموزنا الدينية، كما أنه ليس لدينا الحظوة في أن نتدخل ونسن فقرات في القانون الدولي تضمن احترام الأديان وتجرم التعدي على الأنبياء والأعلام لأننا أضعف الشعوب وأفقر الأمم على هذا الكوكب. كما أننا لم نشعر بالاستقلالية بعد، فالدول الإسلامية ما بين دول تابعة تبعية مطلقة للغرب، وتعلن ذلك أمام الملأ ولا ترى في ذلك غضاضة، ودول أخرى تابعة قلبا وقالبا وشكلا ومضمونا، لكنها تدعي أمام شعوبها وأمام العالم أن علاقتها بدول الغرب مرتبطة بمصالح سياسية واقتصادية. أما الصنف الثالث فما زالت تبعيتها لقوى عظمى متهالكة وإمبراطوريات كبرى بائدة لكنها تنظر إلى ذاتها على أنها من دول عدم الانحياز.
وبما أن هذا حالنا وتلك هي حقيقتنا فيجب علينا أن نبحث عن طرق أخرى أكثر جدوى من الثورات وأعظم فاعلية من التظاهرات وتحطيم المرافق والإنجازات، ولا أظننا نعجز عن التفكير في أساليب وآليات توقف ثورة شعوبنا وتتخذ طرقا عقلانية وأساليب منطقية ترغم الغير على احترامنا والوقف عند رموزنا. فنصرة نبينا واجبة والدفاع عن عرضه فريضة، لكن بحكمة دون ثورة أو همجية وإن لم نستطع فلنتذكر مقولة عبد المطلب جد رسولنا الكريم عندما ذهب يطلب إبله من أبرهة الأشرم وهو يهم بهدم الكعبة فأنكر عليه سذاجة طلبه ودنو همته فسأله لماذا لم يطلب منه أن يحجم عن هدم الكعبة؟ فقال عبدالمطلب مقولته المأثورة التي خلدها التاريخ: ''أنا رب إبلي أما البيت فله رب يحميه''. هذه هي وقفة الأبطال ونبوءة الرجال الذين يحنون رؤوسهم للرياح العاتية، والأعاصير المدمرة، والأمواج الهادرة حتى خبت وتلاشت ثم يعودون فيبنون أنفسهم ويقيمون دولتهم.
وهذا بالضبط ما ينبغي علينا فعله، ولا تقل لي إن وضع قريش مع جيش أبرهة قبل البعثة أضعف من وضعنا مع دول الغرب هذه الأيام، بل أظن أن الحالتين متشابهتان، إلا أن قريشاً - رمز الجاهلية الأولى - تعاملت مع الأزمة أفضل منا.
إن واقعنا مرير وغثاءنا كثير، فإن لم نتعامل مع الأحداث بحكمة، ونسوس القضية ونرفع الهمة فسنظل نرتكب الحماقات الجسام بحجة الدفاع عن خير الأنام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي