الدولة والمجتمع.. حدود المسؤولية في الأمراض المزمنة (2 من 2)

نظرا لأن الموضوع بات واقعا حاليا بعد سنين من المكافحة والمناضلة فعلينا الآن أن نتعامل مع الموضوع بكل جدية، ونتمكن من تبني استراتيجية طويلة المدى، ويجب ألا يكون تغيير المسؤولين عقبة أخرى تضاف للعقبات المعروفة سلفا. لقد شخصت الحالة واتضح أن العراقيل التي يمكن أن تواجهنا تتلخص في: (1) إدارية ومالية، (2) تشريعية/ قانونية، (3) نفسية واجتماعية، (4) ثقافية (معرفية/ معلوماتية)، (5) أخلاقية. لتخطي هذه العقبات لا بد من وضع حدود زمنية نصل بها لتحقيق ما نريد على مراحل. قد يكون في تعدد المناطق الإدارية، والجهات المقدمة للخدمات الصحية ما يجعلنا نفكر بعمق فنتباطأ في التنفيذ، ولكن لو فكرنا في انتشار مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي وتغير بعض خصائص التركيبة السكانية بنسبة طردية وأهمها التعليم، فإن الطموح كبير أن تصل الرسالة ويبقى الإعلام معينا في هذه المرحلة المهمة.
لا شك أن البداية بإنشاء بوابة لقياس حجم وأعباء المراضة بالمملكة تعتبر خطوة مهمة وأعتقد أننا انتظرناها لأكثر من عشر سنوات إلا أن الدور الآن موزع على جميع القطاعات وأطياف المجتمع المختلفة. لا بد الآن من تسمية المراحل للتطبيق بطريقة علمية ممنهجة تعلن للملأ ثم تشاع للتوعية بها والالتزام بمحدداتها ومنهجيتها. إن مجلس الخدمات الصحية مناط به هذا التحرك، لأن وزارة الصحة قامت بالدور في المرحلة الأولى وبأسلوب شفاف حينما أشركت القطاعات في أهمية التعاون معها في إيصال الرسالة وتأكيدها. الآن دور المجلس في أن يتحرك بالمرحلة الثانية ويحافظ على أداء المرحلة الثالثة الخاصة بالمجتمع بشكل مقنن. القطاع الخاص لا بد أن يلبي احتياجات هذه المراحل بكل ود وسرور ومحبة، وبالطبع الوطنية التي تنبع من تأسيسهم استثمارات من شأنها أن تضيف لاقتصاد الوطن قوة تعزيزية في كل مجال.
وزارة الشؤون الاجتماعية ستتعرف على كيفية تعرض أفراد المجتمع لكثير من الأمراض والاضطرابات التي ستعينها الجهات الصحية على وضع آلية للتدخل حاليا وفي المستقبل. وزارة الزراعة وتحت إشرافها صندوق التنمية الزراعية سيتعاونان مع هيئة الغذاء والدواء لمراقبة اليابسة والبحر على السواء، ليكون الصالح للاستعمال الآدمي محل متابعة ومراقبة لدرء أخطار الأمراض والظواهر غير الصحية في مملكتنا الحبيبة وسكانها. كما يتوقع أن تكرس وزارة العمل جهودها مع وزارة الشؤون البلدية والقروية في تعديل السياسات والإجراءات، حفاظا على القوى العاملة من ناحية إنسانية وتتعاون مع الجهات المعنية في تسهيل تنفيذ ما توصلت إليه بخصوص الأوضاع الصحية في المساكن ومواقع العمل. كما وأن إدارة المرور ستتعرف على المسببات الأساسية للحوادث لتكون أكثر صرامة بعد أن تكون أكثر قربا لكل مستخدم وسيلة نقل. في هذه ستكون الأجهزة المقدمة للخدمات الصحية متعاونة لأبعد حدود تذكر ضمانا لسلامة أفراد المجتمع.
أما وزارة التربية والتعليم فستنكشف لها خريطة انتشار الأمراض وبالتالي يمكن لها أن تحدد أولوياتها في التحرك لمواجهة الظواهر عبر رسائل الأبناء لذويهم يوميا أو أسبوعيا أو فصليا. ثم بالتعاون مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ستكون المساحات المخصصة للمشي وممارسة بعض الرياضات الخفيفة وحتى بيوت الشباب ستكون مكتظة لدرجة التفكير في مضاعفة أعدادها وإمكاناتها في كل مدينة وقرية. في الجامعات الممثلة للتعليم العالي أعضاء هيئة التدريس المتخصصين (تربويا وصحيا) ينتظرون عملا ضخما ينفع الوطن فهم منه وإليه، والجهات المختلفة تتطلع لأن يكون لها الدور المحرك معهم لتقنين أداء أو تطوير إجراء. هذه الفئة من المجتمع سمت بفكرها، ولكن لن تبخل بجهدها في سبيل الوطن تعليميا أو على مستوى الأبحاث النظرية والميدانية. هذا سيجعل المرحلة الثالثة مع كبر شريحتها واختلاف مكوناتها من أجهزة وأفراد بين مواطن ومقيم، إلا أن ثمارها ستكون حصرا شاملا ومراقبة صحية شاملة للوضع الصحي العام.
إن أفضل البرامج لمواجهة أخطار التدخين والسمنة والسكر وأمراض القلب وضغط الدم والأمراض السرطانية تلك التي تُضم فيها اللجان العلمية المتخصصة مع الجهات المقدمة للخدمات الصحية. في هذه البرامج لا بد أن يستجيب المجتمع للمطلوب منه فيقوم بإجراء الفحوصات الدورية، ويتبع في تغذيته الإرشادات الطبية، ويمارس في يومه بعض التمارين الرياضية. هذا سيفتح مرافق الرعاية الصحية الأولية أو المتقدمة ومراكز التوعية والإرشادات الغذائية أبوابها لاستقبال المراجعين والمستفسرين وستكون المكتبات خير معين في تعضيد الحملة بتوفير المراجع والأدلة العامة والمتخصصة لهم.
اقتصاديا فتكاليف رعاية المصابين بهذه الأمراض، بالإضافة إلى ضعف الإنتاجية بسبب العجز والمرض والوفاة لا شك تؤديان إلى إضعاف الاقتصاد. لذلك فلا بد من عمل كافة منظمات المجتمع المدني بالتوازي مع أفراد المجتمع في برنامج الحصر والمكافحة، حيث يتم السعي لتحقيق ما اتفق عليه من (1) عمل مسح دوري لعوامل الاختطار، (2) اعتبار المدارس أهم أماكن الوقاية من الأمراض غير السارية. (3) استناد مراكز إعادة التأهيل والتعليم للذكور والإناث إلى معايير (منظمة الصحة العالمية المعززة للصحة) خاصة (التثقيف البدني)، (4) ضرورة اشتمال رخص تخطيط المدن للأحياء الجديدة على مضامير للمشي وقيادة الدراجات الهوائية وأماكن للتجمعات الاجتماعية ومناطق آمنة لمزاولة الأنشطة البدنية للنساء وكبار السن والأطفال، (5) تبني سياسات محددة لمراقبة تسويق المواد الغذائية المصنعة محليا والمستوردة، (6) تشجيع توفير الفواكه والخضراوات الطازجة بأسعار ميسورة للجميع، (7) حظر توفير الأغذية والمشروبات عالية السعرات الحرارية، والشيشة في المقاهي والأماكن العامة. وعسى الله أن يجنبنا آثار ما تجاوزنا فيه صحيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي