العلاج بالقراءة مطلب تتجاهله المكتبات السعودية

العلاج بالقراءة مطلب تتجاهله المكتبات السعودية

قال لـ"الاقتصادية" مؤلف كتاب تناول مفهوم العلاج بالقراءة إن تفعيل القراءة كعلاج لأمراض ومتاعب البشر بات مطلبا ملحا في ظل الحاجة المتزايدة إلى التداوي عند الناس، ويعد مصطلح العلاج بالقراءة أحد المصطلحات العلمية الحديثة التي لم يتعارف عليها قديما، إلا أن المتتبع في التراث الثقافي لمختلف الحضارات قد يلحظ أن هناك من يركن إلى مثل هذه النوعية من الطرق العلاجية منذ فترات طويلة مر بها تاريخ الإنسانية، ولا سيما أن المصريين قديما أطلقوا عبارة ترادف المعنى نفسه وهي (المكتبة طب النفوس) للتعبير عن المصطلح الحديث الذي بدأ يلقى رواجا في كثير من دول العالم المتحضر.
وقال حسن آل حمادة مؤلف كتاب العلاج بالقراءة لـ"الاقتصادية": من المؤسف أن بعضا من أمناء المكتبات لدينا لم يسمعوا بهذا المصطلح بعد وهو العلاج بالقراءة، رغم تصوري أن الجميع بحاجة إلى الانتفاع بهذا العلم، لأن الإنسان تعتريه بعض العلل التي تداوى بالكلمة الطيبة، وبالتالي فإن المكتبة هي طب للنفوس ويجب أن يلجأ إليها المريض المتعلم بمشورة الطبيب العالم، لكي يتحصل على الكتب المصدرة للثقافة والفكر، وبذا يجد فيها غايته وهي الشفاء والعلاج للعديد من الأمراض النفسية والاجتماعية والسياسية، مردفا أن على القارئ التدرج في القراءة لما يتوافق مع المرحلة العمرية تفاديا لإضاعة الوقت فيما لا يفقه وكيلا يجهد العقل حتى لا يؤدي لقطيعة الكتب بحجة عدم الفهم.
وأضاف آل حمادة أن الأصل والقاعدة في الكتاب أن يكون مصدر نور وهداية لقارئه، لقوله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء للناس) ومن هذا المنطلق كان مجال العلاج بالقراءة يتمثل في محورين الأول فردي لشخص واحد يتردد على المعالج الاختصاصي أو أن يختار لنفسه ما يناسبه من كتب ونشرات تحقق له المعالجة المنشودة، في حين أن المحور الآخر جماعي، وذلك عندما نجد المشكلة ذاتها لدى مجموعة من الأشخاص، مفيدا بأن الشفاء يتحقق لدى طالبه الذي يستجيب له - بإذن الله - بينما من لا يجد في القراءة عدا التسلية فلن يلقى لجراحه بلسما.
وشدد آل حمادة على أن تفعيل القراءة كعلاج بات مطلبا ضروريا وحاجة ملحة على مختلف الأصعدة وفي أضعف الإيمان إن لم يستخدم كعلاج إكلينيكي، خاصة أن البعض لم يمر بتجارب سابقة على مستوى المستشفيات حينها يمكن استخدامها كعلاج عام نتداوى فيه من عللنا وأمراضنا المختلفة على نطاق الأسرة والمجتمع وخلافه، منوها إلى أن نسبة الشفاء المحتملة جراء العلاج بالقراءة لا يمكن تحديدها إلا مع التجربة العملية على أرض الواقع.
وحول الأكثر قابلية للتداوي بالقراءة رجح آل حمادة أن النساء هن الأكثر استجابة للعلاج من الرجال، خاصة فيما يرتبط بالعلاج بالقرآن وكتب الأدعية كون المرأة تقبل على ذلك بشكل أكثف، كما أن الأطفال يستفيدون من القراءة كعلاج مثلهم مثل الكبار، ويمكن أن تفعل معهم القراءة الجماعية بشكل مضاعف أولا ثم العمل على توجيههم لممارسة القراءة بشكل فردي ثانيا، ولا سيما عند توفير الكتب الجيدة فإنهم سيقبلون على التهامها بمحبة ورغبة حقيقية من تلقاء أنفسهم، وبالتالي سنلحظ التأثير عليهم في فترات وجيزة، مستدلا في حديثه بما روي عن الرسول - صلى الله عليه واله وسلم - أنه قال: (اقرأ وارق) لما تحمله من معان مختزلة في طياتها تفوق مصطلح العلاج بالقراءة وتتجاوز المسألة إلى الرقي بمستوى الإنسان على مختلف المجالات فيما يرتبط بأموره الدنيوية والأخروية.
كما أوضح آل حمادة أن الوضع الحالي الذي تعيشه مجتمعاتنا هو الذي يدفعنا لأن نعمل بجهد مضاعف من أجل بث هذه الأفكار فيما بيننا، لأنه لا سبيل إلى النهضة ولا سبيل للشفاء من العلل والأمراض المختلفة التي تضرب بمجتمعاتنا إلا في حال تمسكنا بالكتاب لما فيه من خير وشفاء، واهتدينا بهديه وعلى رأس الكتب كتاب الله القرآن الكريم وأحاديث النبي الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم، مستدركا أن موضوع العلاج بالقراءة ما زال بحاجة إلى المزيد من الكشف والإنارة، نتيجة أن الحضارة الإسلامية لم تكن بعيدة عن هذا المفهوم والرؤية التي كانوا يستخدمونها دون إسقاط المصطلح المتداول بهذا القرن عليها.
ويجد آل حمادة أن من الشواهد الدالة على استخدام العرب قديما للقراءة كعلاج من كتاب الجاحظ (البيان والتبين) ما قيل عن موت ابن لسليمان بن علي وما أصابه من جزع وامتناع عن الطعام والشراب حتى دخل عليه يحيى بن منصور فجعل يعزيه بأبيات شعرية قال فيها:
وهون ما ألقى من الوجد أنني أساكنه في داره اليوم أو غدا
وأنه بعد سماعه للبيت الشعري أمر بجلب الغداء له، وبذا يتضح لنا أثر الكلمات المتجسدة في البيت الشعري على نفسية الإنسان الحزين في مصابه الأليم وفعلها العظيم عليه وإنقاذها له من جراء حدوث هلاك وأضرار صحية إزاء عزوفه عن الطعام والشراب، مضيفا أن لولا أهمية الكتاب ومدى إضافته على شخصية الإنسان لما قيل فيه أنه "نعم الدخر والعدة والمستغل والحرفة ونعم القرين والوزير والنزيل، والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك والصديق الذي لا يغريك يطيل إمتاعك ويشحذ طباعك" للجاحظ، وما روي عن علي بن أبي طالب - عليه السلام - قوله "نعم المحدث الكتاب".
وأشار آل حمادة إلى أن ما توصل له من مستجدات في دراسته حول العلاج بالقراءة في الأدب العربي كانت تعد في مجملها الدراسة الأولى التي توثق بشكل مختصر تاريخ العلاج بالقراءة في الأدب العربي، حيث وفق فيها لاستحضار جملة من الشواهد في ذلك، وهو ما جعل بعض الباحثين يعمد لاعتمادها كمصدر في الرسائل الجامعية على مستوى أطروحة الدكتوراه، منها دراسة الدكتور عبد الله حسين متولي في كتابه "مبادئ العلاج بالقراءة مع دراسة تطبيقية على مرضى الفصام" وغيرهم من الباحثين.
يذكر أن مسألة العلاج بالقراءة تبلورت في أذهان العلماء حديثا غاية منهم في تعديل الميول الخاطئة لدى الإنسان لما للقراءة من شأن في العمل على تهذيب سلوك الإنسان والارتقاء به بعد تزويده بالمعلومات الكفيلة ليكون عنصرا فاعلا في خدمة المجتمع، حيث كانت سادي ديلاني من أولى الأمريكيات الممارسات للعلاج بالقراءة أو الببليوثيرابيا عام 1938م، وعرف بأنه علاج المريض من خلال قراءات مختارة كما ذكر الدكتور عبد العزيز خليفة في كتابه الذي يعد أول كتاب عربي مستقل يتناول العلاج بالقراءة عام 2000م.

الأكثر قراءة