هل لدى المصارف فساد؟
لو سألت أكثر من مصرف بل مصرفيين في المصرف نفسه والكثير من عملاء المصرف نفسه على اختلاف شرائحهم عن إمكانية الرهن العقاري لكان الجواب مختلفاً ومتنوعاً بعدد هؤلاء، ناهيك عن تسعير القروض والمرونة في شروط أغراض توظيف الأموال المقترضة وطبيعة الرهن وشروط حيازته واستحقاقه. هذا الثوب الفضفاض أصبح مدخلاً وحتى مصدر فساد في توظيف أموال المودعين من ناحية وفساد لبعض كبار موظفي البنوك. فكلما تكون الأنظمة الرقابية والداخلية غير واضحة فإنها تفتح الأبواب لاستغلال ومحاربة الشفافية والتواصل غير الأخلاقي بين إدارة بعض المصارف وبعض العملاء. هنا يجب أن نفرق بين القروض بغرض الإسكان تحت منظومة" التمويل العقاري "وبين قروض كبيرة بناء على علاقات شخصية وضعف في الربط بين مهام المصرف واستحقاقات الإدارة. حققت المصارف خسائر موجعة على مدى السنوات الخمس الماضية على الرغم من تفادي المملكة الأزمة المالية تحت رعاية وزارة المالية. أغلب الخسائر لم تأت بسبب العقار، ولكن صعوبة سيولة العقار في الوقت غير المناسب وتنامي حجمه وخطر قلة المعلومات وغموض القرار الائتماني حوّلته إلى مصدر خطر كبير. كما أن جاذبية القطاع المصرفي وارتفاع المصروفات الحكومية سهلت تمرير الكثير من الخسائر. ولذلك فان الكثير من هذه المصارف لم يوظف أموال المودعين بكفاءة مهنية، وكان واضحاً أن إدارة المصارف سلمت من العقاب بل نالت الثواب في كل فرصة. أحد المصارف الصغيرة، على سبيل المثال، ما زال يعاني تشابك المصالح بين الإدارتين السابقة والحالية، وبين بعض العملاء وأحيانا حتى بعد إصدار أحكام من هيئة المنازعات المصرفية لا تنفذ، بل يحاول المصرف جاهداً التملص من المسؤولية والخلط بين المربح مالياً وغير مفيد اقتصادياً وبين المصلحة الشخصية ومصلحة المصرف وصعوبة في فصل الذمم صورياً أو مضموناً مرة بالتأخير ومرة بالمساومة غير المهنية وهذا بدوره انتقل إلى القضاء الذي أصبح قليل الهمة مع سوء تقدير لأهمية النواحي الائتمانية والمالية وقتاً وقياساً. من هذه الأساليب المصرفية القاصرة التعليمات الشفهية مما يصعب متابعة القرار المصرفي الداخلي وزاد أن بعض هذه الرهونات العقارية لا تزال تحت أسماء إدارات سابقة وكأن المصارف لدينا ليست مؤسسات ذات شخصية اعتبارية، بل عرضة لتجاذبات مصلحية وشخصية بعيدة عن المهنية النظامية بعد عقود من التجربة المصرفية. لعل الأدهى والأمر أن التفتيش المصرفي في زيارات وتواصل مع المصرف والعملاء دون كفاءة تُذكر في كثير من الأحيان. ما الحل؟ الأخذ بسياسة السوق وحتى عدم المبالغة في الأنظمة خدم القطاع المصرفي إلى أن وصل القطاع إلى حالة أصبح فيها مثال نجاح للقطاعات الأخرى ومدرسة إدارية، ولكن هذا النجاح بدأ ينطفئ لأسباب عدة منها ما هو هيكلي بسبب الحماية المستمرة من المنافسة وتزايد الملكية الحكومية وتأخر مؤسسة النقد في التطوير رقابياً، فعلى سبيل المثال، لم يتطور التفتيش المصرفي فأغلب المفتشين ليسوا على درجة من معرفة القطاع تجربة وتعليماً (للعدالة هذه إشكالية عالمية) ومنها ما هو ضعف إدارة ورقابة عام ولكنها تأخذ بُعداً آخر حينما تكون الوظيفة حقاً مكتسباً وآلية الثواب والعقاب ضيقة. الأحرى أن تأخذ مؤسسة النقد بالتطور المستمر، والسرعة في المتابعة والتوثيق الداخلي، وفصل عملية القرار الائتماني وتوثيقه، ومتابعة أدوار الإدارات الحالية والسابقة لأن تبعات قراراتهم قد تستمر لسنوات عدة.