رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تساؤلات حول خطة التيسير الكمي 3 (1 من 2)

شهد هذا العام تراجع مؤشرات الأداء للاقتصاد الأمريكي على نحو مثير للقلق إلى الحد الذي دفع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح إلى الإشارة أكثر من مرة إلى أنها تراقب من كثب تطورات الأوضاع الاقتصادية، خصوصا أوضاع سوق العمل، وأنها سوف تتخذ الإجراءات المناسبة للتعامل مع تراجع النمو وبطء تحسن سوق العمل، وقد كانت الأوضاع في الأشهر الأخيرة تسير من سيء إلى أسوأ، وبدا من الواضح أن الشروط التي علقها الاحتياطي الفيدرالي لاتخاذ إجراءات توسعية تتراكم الواحد تلو الآخر، وذكر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في آب (أغسطس) الماضي أن الاقتصاد الأمريكي استمر في النمو بمعدلات متواضعة، في الوقت الذي استمر فيه معدل البطالة في الارتفاع نتيجة استمرار الضغوط في سوق العمل الأمريكية، بينما ظل معدل التضخم منخفضا دون المعدل المستهدف، وهو ما يوفر الشروط المناسبة لـ ''الاحتياطي الفيدرالي'' لإطلاق المرحلة الثالثة من برنامج التيسير الكمي.
كان تقرير سوق العمل الأخير القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث أصبح من الواضح أن الاقتصاد الأمريكي عاجز عن فتح كمية الوظائف المناسبة لتخفيض معدلات البطالة، فقد تمت إضافة 96 ألف وظيفة فقط في آب (أغسطس) الماضي، وهو أقل مما كان متوقعا، في الوقت الذي تراجع فيه معدل البطالة من 8.3 إلى 8.1 في المائة. غير أن هذا التراجع لم يكن مرجعه إلى فتح المزيد من الوظائف التي ساعدت على خفض المعدل، إنما نتيجة لانسحاب عدد من العاطلين من سوق العمل وتوقفهم عن البحث عن وظائف، وهم ما نطلق عليهم في الاقتصاد الكلي عبارة ''العمال المحبطون''، وهؤلاء لا يحسبون من قوة العمل، ما يعني أن تحسن معدل البطالة كان راجعا لانخفاض عدد قوة العمل بشكل أساسي وليس انخفاض أعداد العاطلين، وقدر التقرير الأخير لسوق العمل أعداد من انسحبوا بنحو 368 ألف أمريكي، ولا شك أن انسحاب هذا العدد من سوق العمل يدل بوضوح على عمق الضغوط التي يواجهها، وأن الأمر يتطلب تدخلا مباشرا من ''الاحتياطي الفيدرالي'' لتحقيق أولى مستهدفاته في رفع مستويات التوظف.
كذلك أظهرت تقارير مراجعة النمو في الاقتصاد الأمريكي تراجع معدل النمو إلى 1.7 في المائة في النصف الثاني من هذا العام، مقارنة بـ 4.1 في المائة في الربع الرابع من العام الماضي، وبالتالي فقد أصبح من الواضح أنه إذا لم تتخذ اللجنة الفيدرالية الإجراءات المناسبة، فإن النمو سينخفض على نحو لا يساعد على تحسن سوق العمل. في اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في الأسبوع الماضي قررت اللجنة إطلاق الموجة الثالثة من برنامج التيسير الكمي لتحفيز الاقتصاد الأمريكي .. فما أهم ملامح خطة التيسير الكمي3؟ تتمثل أهم ملامح الخطة الحالية في الآتي:

أولا: سيقوم ''الاحتياطي الفيدرالي'' بشراء سندات إضافية مغطاة بالرهون العقارية عقارية (لمؤسستي ماني فاي وفريدي ماك) بمعدل 40 مليار دولار شهريا، ويبدو هذا الرقم صغيرا بالنسبة لسوق السندات الأمريكية، إلا أنه في الوقت ذاته سيواصل ''الاحتياطي الفيدرالي'' خطته الحالية التي بدأها في حزيران (يونيو) الماضي الرامية إلى توسيع نطاق مواعيد استحقاق السندات التي يحتفظ بها في محفظته، بهدف تعديل هيكل معدلات الفائدة على السندات، وهو البرنامج الذي تناولناه بالتحليل في ''الاقتصادية'' مسبقا في مقال بعنوان ''عملية لي منحنى العوائد على السندات'' والمقدرة قيمته بنحو 667 مليار دولار. كذلك سيستمر ''الاحتياطي الفيدرالي'' في سياسة إعادة استثمار ما يستحق من السندات التي يحتفظ بها في شراء سندات مؤسسية مغطاة بالرهون العقارية، جميع هذه العمليات ستترتب عليها زيادة ما يحتفظ به ''الاحتياطي الفيدرالي'' من السندات شهريا بنحو 85 مليار دولار حتى نهاية هذا العام بصورة مرحلية.

ثانيا: تختلف خطة التيسير الكمي3 عن الخطط السابقة في أنها غير محددة المدة، فليس لها أجل زمني محدد لانتهائها، كما أنه ليس من المعلوم حاليا طبيعة الشروط التي يتوقع معها أن تتوقف خطة التيسير الكمي3، فقد أشار بن برنانكي رئيس ''الاحتياطي الفيدرالي'' إلى أن الخطة مربوطة بالتطورات التي ستحدث في الاقتصاد، فإذا لم تتحسن أوضاع سوق العمل على نحو جوهري فإن اللجنة ستستمر في عمليات شراء السندات المغطاة بالرهون العقارية وكذلك الأصول الأخرى وتطبق الأدوات المختلفة للسياسة النقدية حتى تتحسن أوضاع سوق العمل. أكثر من ذلك فإن هذه الخطة لن تتوقف بمجرد حدوث الانتعاش، إنما ستستمر فترة طويلة بعد الانتعاش، أعتقد طالما أن التضخم تحت السيطرة.

ثالثا: أن القيمة المحددة لخطة التيسير الكمي3 غير معلومة أيضا، بعكس الحال مع خطط التيسير الكمي السابقة، وهو ما يعني أن ميزانية ''الاحتياطي الفيدرالي'' مرشحة للزيادة من دون حدود من حيث المبدأ، أي أن كمية الدولارات التي ستتم إضافتها غير معلومة حتى الآن، ومن المعلوم أن حجم ميزانية ''الاحتياطي الفيدرالي'' في كانون الأول (ديسمبر) 2007، أي قبل انطلاق الأزمة الحالية، بلغ نحو 900 مليار دولار، غير أن عمليات التوسع النقدي منذ بداية الأزمة ترتب عليها ارتفاع حجم الميزانية إلى نحو 2.85 تريليون دولار حاليا، أي أنه تم ضخ نحو تريليوني دولار دون أن يخرج الاقتصاد الأمريكي من حالة الكساد.

رابعا: لتدعيم خطة التيسير الكمي3 ستستمر اللجنة في الحفاظ على معدلات الفائدة منخفضة حتى منتصف 2015، وهو ما يعني توسيع المدى الزمني لمعدل الفائدة الصفرية من 2014 إلى 2015.

لكن كيف يعمل التيسير الكمي على تحقيق أهدافه في تحفيز الطلب الكلي في الاقتصاد؟ الإجابة هي أن التيسير الكمي يعمل على تحفيز الطلب الكلي من نواح عدة، فعندما يقوم ''الاحتياطي الفيدرالي'' بشراء السندات، ستتحول قيمة هذه السندات إلى حسابات البائعين في البنوك، فتتم تعلية حسابات البنوك بالقيمة لدى ''الاحتياطي الفيدرالي''، وهو ما يعني أن العملية بهذا الشكل تمثل إصدار نقود (بشكل إلكتروني) من لا شيء لتستخدم في شراء أصول تضاف إلى ميزانية ''الاحتياطي الفيدرالي''، لكن إذا استمرت البنوك التجارية في الاحتفاظ بهذه الاحتياطيات لدى ''الاحتياطي الفيدرالي'' فإنها ستحصل على فائدة لا تتجاوز 0.25 في المائة، لذلك ستفكر البنوك جديا في إقراض هذه الأموال والحصول على معدلات فائدة أعلى، وهذا هو الهدف الأساسي من العملية، أي حث البنوك على منح المزيد من الائتمان، فتزيد العمليات الائتمانية للشركات وللأفراد.

من ناحية أخرى، عندما يقوم ''الاحتياطي الفيدرالي'' بشراء السندات بكميات كبيرة، مثلما يفعل في حالة التيسير الكمي، ترتفع أسعار السندات، ومن ثم تميل معدلات العائد عليها نحو الانخفاض، وهو ما يؤدي إلى انخفاض معدلات الفائدة، الأمر الذي يخفض من تكاليف شراء المساكن، فينتعش الطلب على قطاع المساكن الذي يواجه مشكلات حادة حاليا، وهكذا عندما تقترض الشركات فإنها تستخدم هذا الائتمان في الاستثمار، بينما يستخدم الأفراد هذا الائتمان غالبا في شراء السلع المعمرة مثل السيارات أو المساكن، وهو ما يساعد على إنعاش الطلب الكلي ومن ثم النمو وتخفيف الضغوط في سوق العمل، وهذا هو الهدف الرئيس لخطة التيسير الكمي3 الحالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي