رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل ينهي دراجي أزمة اليورو؟

أخيرا خرج البنك المركزي الأوروبي بقيادة ماريو دراجي عن المنهج المتحفظ الذي رسمته ألمانيا له، واتخذ مجلس محافظي البنك قرارا بموافقة جميع الأعضاء واعتراض ممثل ألمانيا فقط، لقيامه بشراء السندات الحكومية لدول منطقة اليورو مباشرة من السوق الثانوية، وذلك للحد من تزايد فجوة العائد على السندات التي تعوق بدرجة كبيرة عملية الإصلاح الاقتصادي التي تمر بها دول منطقة اليورو التي تقع تحت تأثير الأزمة. بموجب ذلك، سيكون بمقدور البنك المركزي الأوروبي القيام بشراء السندات من السوق الثانوية لأي دولة من دول منطقة اليورو بشرط دخولها في برنامج إصلاح اقتصادي مع آلية الاستقرار المالي الأوروبي EFSF أو ESM، وفقا لاشتراطات يشرف عليها صندوق النقد الدولي.
بالطبع، ليس هناك صورة واضحة حاليا حول الإطار الذي ستعمل فيه المؤسسات الثلاث: البنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، وآلية الاستقرار الأوروبي، لوضع ذلك موضع التنفيذ، لكن ذلك بالتأكيد سيساهم في حل جانب كبير من الأزمة، المتمثل في انخفاض ثقة المستثمرين الكبير بآلية اتخاذ القرار الأوروبية، التي أظهرت خلال السنتين الأخيرتين من عمر الأزمة في منطقة اليورو ضعفا شديدا في التعامل معها، لحد وصفها بأنها دائما (تأتي متأخرة وأقل من المطلوب). الجانب الآخر الذي يجب أن تعمل الدول عليه هو إتمام برامج الإصلاح الخاصة بها للعودة إلى وضع مستقر لنسب الدين العام على المدى المتوسط، وتعزيز التنافسية والإنتاجية لديها، وزيادة متانة أجهزتها المصرفية. كذلك، هناك عمل آخر مطلوب على الجانب المؤسسي الأوروبي، وهو المضي قدما في تأسيس آليات أوروبية موحدة للإشراف المصرفي، وضمان الودائع، والاتحاد المالي.
بمعنى آخر، أنه إذا ما أراد الأوروبيون استمرار مشروع الوحدة النقدية، فإن الطريق إلى ذلك لا يتحقق إلا من خلال المزيد من التكامل على مستوى الاتحاد النقدي، في مجالات المالية العامة والقطاع المالي، لتضيف إلى ما تحقق في مجال الاتحاد النقدي. هذا يعني أن الدول يجب عليها أن تتخذ قرارها بشأن التسليم بأن جزءا كبيرا من القرارات التي كانت محلية الطابع، ستتحول الآن إلى قرارات تحتاج إلى اعتماد من مؤسسات الاتحاد الأوروبي. فالاتحاد المالي سيعني أن قرارات الموازنة العامة لدول الاتحاد النقدي يجب أن تعرض على مؤسسات الاتحاد لاعتمادها، وللتأكد من تحقيقها الاستقرار المالي على مستوى الاتحاد ككل. قرار إصدار الدين العام في هذه الدول لن يكون منوطا فقط بمؤسسات اتخاذ القرار والمؤسسات التشريعية في الدولة، لكنه سيتعداه إلى طلب الاعتماد من مؤسسات الاتحاد الأوروبي. كذلك، الإشراف على القطاع المالي سيكون منوطا بمؤسسات على مستوى الاتحاد الأوروبي وليس على مستوى الدول نفسها، ما يعني أن أهمية اتساق هذه السياسات بين الدول.
هذا إذا تحقق، سيمثل انتصارا كبيرا لداعمي فكرة المشروع الأوروبي في مواجهة المعارضين له، وسيمثل خطوة كبيرة إلى الأمام في إنجاز هذا المشروع الطموح، وتجاوزا لأكبر وأصعب اختبار تواجهه.
نتائج الانتخابات الفرنسية كانت مفصلية في تحديد مسار التعامل مع الأزمة، حيث انفك على أثر ذلك تحالف ميركل وساركوزي القوي، الذي كان يحمل العصا الغليظة التي تضرب بها الدول لحملها على القبول بعملية الإصلاح الاقتصادي وفق نظرة ألمانية بحتة تهدف بشكل أساسي إلى الحد من تكاليف هذه البرامج على ناخبيها. انتخاب هولاند في فرنسا وماريو مونتي في إيطاليا وتولى ماريو دراجي رئاسة البنك المركزي الأوروبي، كان له دور كبير في تغيير أيديولوجية التعامل مع الأزمة، وجعلها أكثر واقعية في التعامل مع الأزمة. الأمل الآن في أن يكون هذا التحالف الجديد دافعا لعمل أكثر وأقوى وتصريحات أقل، لتغير تصورات المتابعين، خصوصا من المستثمرين عن فاعلية القرار الأوروبي في مواجهة الأزمة.
لكن هذا القرار لن يكون النهاية للأزمة، بل قد يكون إذا ما كتب له النجاح في التطبيق، بداية مرحلة أخيرة في فصول الأزمة. فقد تبقى أن يتعامل الأوروبيون مع ما يمكن أن ينتج عن قرار تدخل البنك المركزي الأوروبي لشراء السندات الحكومية. من ذلك، ارتفاع المخاطر على البنك المركزي الأوروبي وبالتالي على دول منطقة اليورو، وزيادة الخطر الأخلاقي Moral Hazard عندما تجد الدول المستفيدة في ذلك فرصة للتملص من تعهدات الإصلاح، وإمكانية أن يتحول ذلك في حد ذاته إلى أزمة أكبر وأعمق. فعدم التزام الدول باشتراطات الإصلاح يعني أن البنك المركزي الأوروبي يجب أن يتوقف عن شراء السندات، ولا أحد يتصور حجم ردة الفعل لهذا القرار على الأسواق، ومارتن وولف توسع في هذه النقطة بالذات في مقاله الأسبوعي على ''فاينانشيال تايمز''. بقي أيضا أن ننتظر ردة فعل الناخب الأوروبي، وبالأخص الناخب الألماني، على مثل هذه الخطوة، خصوصا أن القرار لم يعد في يده، بل أصبح في يد إحدى أهم المؤسسات الأوروبية، وهي: البنك المركزي الأوروبي. كل ذلك، يعني أننا ما زلنا في خضم أزمة اليورو، وسيبقى على العالم أن يتعامل معها ومع آثارها لفترة طويلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي