رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الطبقة الوسطى .. حصن النظام الاقتصادي (1 من 2)

ليس هناك إجماع بين الاقتصاديين وعلماء الاجتماع على تعريف موحد لمفهوم الطبقة الوسطى، لكن من الواضح أن هناك إجماعا على الأهمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية القصوى لوجود الطبقة الوسطى واتساع قاعدتها في أي مجتمع، ذلك لأنها ببساطة تشكل العمود الفقري وصمام الأمان لأي مجتمع، فهي الطبقة التي تخلق التوازن في التركيبة الطبقية للمجتمع وتحفظ الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. كما أن الطبقة الوسطى المصدر الرئيس للحراك والتفاعل والإبداع الفكري والثقافي والسياسي.
من خلال بحثي عن مفهوم أو تعريف للطبقة الوسطى وجدت مفهوما أقنعني لحد معقول وهو أن أفراد هذه الطبقة هم من يستطيعون توفير حاجاتهم ومستلزمات حياتهم الأساسية من مسكن وغذاء وصحة وتعليم ومواصلات وحاجات أساسية أخرى دون أن يضطروا إلى الاقتراض. هذا إضافة إلى أن نسبة كبيرة من أفراد هذه الطبقة لديهم مدخرات. تبقى إشكالية تحديد هذا المصطلح (الطبقة الوسطى) وتحديد الشرائح الاجتماعية بدقة مسألة معقدة.
كتب فرانسيس فوكوياما مؤلف كتاب ''نهاية التاريخ'' في مجلة ''فورين أفيرز'' Foreign Affairs في عددها كانون الثاني (يناير) لعام 2011 مقدمة لما يمكن أن تكون أكبر قضية سياسية في الأعوام القليلة القادمة، وهي تدهور وضع الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة وحول العالم. يرى فوكوياما في مقاله أن النظام الديمقراطي الليبرالي يفقد قوته بانحسار الطبقة الوسطى التي تعد حصنا للنظام الاقتصادي الرأسمالي والنظام السياسي الليبرالي على مدار التاريخ. لقد أشار فوكوياما في مقاله هذا إلى أن القلق له ما يبرره، حيث انخفضت الدخول الحقيقية لأفراد الطبقتين الوسطى والفقيرة على حد سواء في الولايات المتحدة والعديد في الدول الصناعية المتقدمة (مثل ألمانيا وإنجلترا وفرنسا) والدول النامية، يقابل ذلك ارتفاع متواصل لمعدلات التضخم في هذه الدول. هذا يعني تآكل الطبقة الوسطى في معظم أنحاء العالم يقابله اتساع في قاعدة الطبقة الفقيرة، الأمر الذي يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية واجتماعية وسياسية حول العالم. ها نحن نشهد هذه الاضطرابات في العديد من دول العالم من ضمنها بعض الدول العربية.
يرى فوكوياما أن تزايد الغضب بين أفراد الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة تجاه وول ستريت واضح وله ما يبرره. ذلك لأن النظام الاقتصادي الرأسمالي يحمل بين طياته مشكلات اقتصادية رئيسة أهمها تفاقم سوء توزيع الدخل القومي بين شرائح المجتمع ومشكلة التضخم.
يقدم المحررون في هذا العدد مقتطفات من مقالات نشرت في المجلة خلال عقد الثلاثينيات من القرن الماضي تؤكد أن تدني مستوى معيشة الطبقة الوسطى وانحسارها في روسيا وألمانيا كنتيجة مباشرة للأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت في ثلاثينيات القرن الماضي يعتبر السبب الرئيس لانتشار الشيوعية في روسيا والفاشية في ألمانيا. كما أن هذه المقالات سعت لتفسير الشعبية العارمة التي حظي بها أدولف هتلر'' جاء فيها: ''إنها قضية الأوقات العصيبة التي تمر بها ألمانيا.. مستوى معيشة الطبقة الوسطى التي طالما مثلت العامود الفقري للاقتصاد والمجتمع الألماني تدنى إلى الحد الذي أدى إلى انحسارها، الأمر الذي أدى إلى اتساع دائرة الفقر في ألمانيا. ونتيجة لهذا الوضع استطاع هتلر تسويق أفكاره الشيفونية. لقد فزعت الحكومة الألمانية من انخفاض الطبقة الوسطى في التركيبة الطبقية للمجتمع الألماني بنسبة 3 في المائة عام 2010. الأمر الذي يؤكد إدراك الحكومة الألمانية أهمية الطبقة الوسطى بالنسبة للمجتمع الألماني.
أشار سرجو مسليا، وهو اقتصادي برازيلي في مجال التنمية الاقتصادية، إلى أن القوة الشرائية للبرازيل قبل 30 عاما كانت في أيدي 30 مليون شخص من أصل 180 مليونا تقريبا، بيد أنه خلال العقد الماضي، وبالذات خلال فترة حكم لولا دا سيلفا، نمت الطبقة الوسطى بشكل متسارع واتسعت قاعدتها بشكل واضح في المجتمع البرازيلي، وذلك بسبب الإصلاحات والبرامج الاقتصادية الفاعلة ذات البعدين الاجتماعي والاقتصادي التي نفذتها الحكومة البرازيلية. إن النمو الملحوظ للطبقة الوسطى في المجتمع البرازيلي ساهم ويساهم في النمو المتسارع للاقتصاد البرازيلي، حيث حقق نموا حقيقيا بلغ 7.5 في المائة و7 في المائة في عامي 2010 و2011 على التوالي. كما أن تحسن وضع الطبقة الوسطى في البرازيل انعكس إيجابا على نمط توزيع الدخل القومي بين شرائح المجتمع البرازيلي، حيث سجل ''معامل جني''، وهو مؤشر يقيس مدى عدالة أو سوء نمط توزيع الدخل القومي بين شرائح المجتمع، تحسنا ملحوظا منذ منتصف العقد الماضي، ما يشير إلى أن الدخل القومي يشهد تحسنا واضحا في عدالة توزيعه بين شرائح المجتمع البرازيلي إذا ما قورن بالماضي. وبالفعل فمع اقتراب السنوات الثماني الرئاسية للرئيس المحبوب لولا دا سيلفا تمر البرازيل بما يسمية علماء الاجتماع والاقتصاد تحولا اجتماعيا واقتصاديا هيكليا انتشل فيه 30 مليون فرد من براثن الفقر منذ عام 2003 وارتفعت فيها الأجور بنسبة 5.2 في المائة سنويا خلال فترة رئاسته وانخفض التفاوت في الدخول بين المواطنين، الأمر الذي شجع ديلمان روسيف الرئيسة الحالية للبرازيل على القول ''إن القضاء على الفقر بات ممكن الحدوث في البرازيل. ويرى مارسيلو نيري الذي يدرس توجهات علم الاقتصاد الاجتماعي في جامعة ريدوجانيرو، أن الوافدين إلى الطبقة الوسطى (الذين انتقلوا من الطبقة الفقيرة إلى الوسطى) يتمتعون باستقرار كبير يشمل الوظائف في الاقتصاد الرسمي والخدمات مثل الرعاية الصحية والاجتماعية والمعاشات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي