رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مقترحات لتطوير مؤسسة البريد

عرضت في مقال الأسبوع الماضي المراحل التي مر بها البريد السعودي، وبينت وجهة نظري حيال الوضع الحالي لهذه المؤسسة العريقة. وعلق البعض على ما ذكرت، فمنهم من أيد ومنهم من عارض، ومنهم من تساءل عن الكيفية التي يمكن أن تنهجها مؤسسة البريد للنهوض من كبوتها والرقي بخدماتها وتصحيح مسارها، بينما صنف آخر أوجزوا مشكورين بعض المقترحات لتطوير عمل البريد سأضمها مع ما لدي وأقدم بعضها في هذا المقال لمسؤولي مؤسسة البريد السعودي، والتي أتمنى أن يؤخذ بما يرونه منها.
أولا وقبل كل شيء يجب أن تقترب مؤسسة البريد من المستفيدين المباشرين من خدماتها فهم المعيار الدقيق للتقييم والمصدر الحقيقي للتقويم، فعليها أن تشاركهم عقولهم، وتعلم ما يجول في خواطرهم، وألا تنفرد بتقييم ذاتها وتزكية خدماتها، لأن جودة خدماتها يلمسها غيرهم. كما ينبغي عليها أن تقصر عملها على نشاطها الأساسي وتستثمر مجهوداتها في أنشطتها التقليدية وتبتعد عما سوى ذلك. نريد من البريد السعودي أن يتعرف على نشاطه الأساسي ويحدده بوضوح ثم يحصر كل جهوده في ذلك دون أن يشغل نفسه بنشاطات ليست من صلب عمله أو نشاطات غير تقليدية يمكن تأجيلها لأن نجاحه يقاس بمدى إنجازه في تحقيق نشاطه الأساسي ولو تألق في غيره.
تركز المنظمات بشكل عام على نشاطها الأساسي - سبب وجودها - وبعد أن تتأكد من جودته وتملك أسراره يمكنها أن تنطلق قدما وتوسع دائرة أنشطتها إلى الأعمال الأخرى غير التقليدية.
حتى نقرب الصورة سنضرب المثال التالي: نعرف جميعا أن النشاط الجوهري للمستشفى يتمثل في تقديم الخدمة الطبية للعنصر البشري فلو رأينه يجيد تقديم الخدمات الفندقية فهل يمكن القول إن أداءه متميز وأنه حقق أهدافه وأصاب الغرض من وجوده؟ أبدا! بل نراه ضل طريقه وفقد بوصلته وأصبح بلا هوية لأنه لم يؤد نشاطه الحقيقي. لذا نريد من بريدنا الموقر أن يتعرف بالضبط على نشاطه الفعلي ثم يبني خططه ويضع سياساته بما يحقق ذلك، وعليه أن يبتعد قليلا عن أنشطة البريد غير التقليدية مثل برنامج ''واصل'' والبرنامج القادم الذي تروج له مؤسسة البريد بكل قوة المتمثل في إصدار وتجديد وثائق وسجلات المشتركين، فهذه مهام فرعية وتلك أعمال هامشية لا تقيس الأداء ولا تعكس جوهر وجود المؤسسة وتتطلب بنية تحتية ضخمة وخبرات إدارية عريقة.
كما ننتظر من البريد إذا أراد أن يصحح مساره أن يضع له ''رسالة'' ويحدد له ''رؤية''، فالذي يظهر لي أن البريد السعودي ليس لديه ''رسالة'' واضحة تحدد مساره وتضبط تحركاته، ولهذا فهو يسير بغير هدى. ولا أريد أن أسهب في هذا لأنني تكلمت كثيرا عن أهمية صياغة الرسالة وبناء الرؤية في مقالات عدة سابقة. فعلى المؤسسة أن تتعرف على هذه المصطلحات وماذا يقصد بها، وكيفية عملها, وقد يحتاج الأمر إلى بذل المزيد من الأموال كما تفعل بعض المنظمات ومنها الجامعات التي تستعين ببعض المراكز الإقليمية وبيوت الخبرة الدولية من أجل مساعدتها على صياغة رسالتها. ويمكن للبريد السعودي أن يستفيد من بعض المنظمات التي تألقت في بناء رؤيتها وصياغة رسالتها وليس بالضرورة أن تكون شركات متخصصة في الخدمات البريدية، لأن الأمر هنا مقتصر على صياغة الرسالة وتحديد الرؤية، فيمكن انتقاء منظمات أجادت صياغة رسالتها ودراستها كحالة ناجحة ثم الاقتداء بها ولو اختلف نشاطها.
ومن أبرز المقترحات التي تضمن إنجاح عمل البريد الاهتمام المبالغ فيه بالموظفين وألا تكون الحوافز والتدريب حكرا على القياديين. يجب على مؤسسة البريد الاهتمام كثيرا بالموظفين، خصوصا أولئك الذين يقفون في الخطوط الأمامية ويمارسون الأعمال التشغيلية فيجب تدريبهم وتحفيزهم وتحقيق طموحاتهم وكسب ولائهم، فنحن نلاحظ التعامل الفظ من قبل موظفي البريد وسبب ذلك افتقادهم أبسط المهارات، خصوصا تلك المتعلقة بخدمة العميل، وهذا يدل على نقص التدريب وقلة الوعي بأهمية المشترك، وهذه قناعات لا يمكن أن تتغير من دون دورات تدريبية مكثفة ونماذج وقدوات من بيئات تجيد مثل هذا الفن.
وأخيرا لدي ملاحظة لم أجد لها تفسيرا حتى حينه، وهي تنكر البريد لماضيه والخجل من بداياته. فأرى المؤسسة تحاول التنكر لماضيها إبان كانت تتبع وزارة البرق والبريد والهاتف وتنظر إلى تلك الفترة على أنها عهد الانحطاط فتحاول جاهدة سلخ هذه التبعية وتحدد مولدها منذ عام 1423هـ عندما صدر قرار مجلس الوزراء بتغيير اسمها من المديرية العامة للبريد إلى مؤسسة البريد .. ولا أدرى لماذا هذا التنكر؟ ولماذا يحاول البريد أن يتخلص من ذلك العهد رغم أننا لم نلاحظ أي فروق في جودة الخدمات البريدية التي تقدم الآن وتلك التي كانت تقدم إبان كان البريد يتبع وزارة البرق والبريد والهاتف، كما أن مؤسسة البريد ورثت جميع الأصول الثابتة، والمواد البشرية، والخبرة، والبنية التحتية برمتها من المديرية العامة للبريد حتى الفكر الإداري هو نفسه الذي كان في عهد المديرية لم يتغير شيء سوى الشكل القانوني للمؤسسة. لذا على مؤسسة البريد أن توثق ماضيها، بل تفاخر به، فهذا سيعينها على معرفة دورة حياة منتجاتها ومراحل التطور الذي مرت بها.
وقبل أن أنهي مقالي أتمنى من مؤسسة البريد أن تبتعد قليلا عن الأضواء وألا تضع نفسها تحت المجهر حتى تعرف حقيقتها وتقيس قدراتها وتتأكد من توجهها والذي يتضح لي أن الكل يعرف قدرات البريد إلا مؤسسة البريد ذاتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي