تعدد تسمية الأماكن في مكة ظاهرة إيجابية
أكد الدكتور رياض الخوام في سؤال لـ''الاقتصادية'' حول الفائدة من معرفة أسباب تسمية الأماكن في مكة في ظل إزالة بعض المواقع الجغرافية وطمس معالمها، بأن ذلك مدعاة لأن يقابله توثيق للمواقع الجغرافية والأماكن في مكة المكرمة وربطها بأسمائها، وأسباب التسمية، وذلك حفظا للتاريخ، وقال إن بعض أسماء الأماكن في مكة المكرمة ترجع في الأصل إلى عربيتها وأصولها العربية، وإن قال البعض إنها فارسية كأسماء ميزاب والمزراب وزمزم في حين أن بعض هذه الأسماء وردت في القرآن الكريم، وفي أحاديث الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ كمقام إبراهيم وطعام طعم وشفاء سقم وبعض أسماء زمزم ورد في رؤية عبد المطلب في حفرها، مبينا أن المكتبة العربية الحديثة في حاجة إلى مثل هذه الدراسات المتصلة بعلم اللغة التاريخي الجغرافي، فهي تساعد على كشف الفكر اللغوي العربي الإسلامي واتجاهاته وتصور البيئة التي نشأ فيها، كما أن كثرة الاستعمال أدت إلى ظاهرة الترادف في الأسماء فلزمزم أكثر من 30 اسما شارك في إطلاقها السابق واللاحق وفق ما رآه وشاهده وعلم به واختلج في خاطره وعقله حول زمزم ومائها، في حين جاءت بعض الأسماء ذات دلالات شرعية واضحة. أي أن الدلالة الشرعية سادت على أصل الإطلاق اللغوي، من ذلك عرفات ومنى ومزدلفة ومسجد الخيف وقزع، حيث قد تتسع معاني هذه الأسماء نظرا إلى تعدد المعنى اللغوي المعجمي، لذا فالاقتصار على الدراسة الصرفية لهذه الأوزان والأسماء منفصلة عن الواقع اللغوي يجعلها قاصرة على ما هو مطرد فيها على النحو الذي سجله الصرفيون.
مؤكدا على أن هناك معاني أخرى تحتملها الصيغة وذلك بالرجوع إلى المعاني المعجمية الفرعية والربط بينها للوصول إلى المعاني العامة الكلية، وفي مثل هذه الدراسة توسيع لعلم الدلالة العربي وتكثير لدلالة الصيغ العربية، ومن هنا نخلص إلى أن هناك درسا لغويا رفيعا شارك فيه اللغويون والمفسرون والمؤرخون على مر العصور لتقديم صورة دقيقة واضحة عما جرى على هذه الأماكن من تسميات، كما راعي العرب في إطلاق التسمية على هذه الأماكن الواقع المشهود الحسي والمعنوي، وجاءت هذه التسميات دقيقة وبسيطة في آن واحد، كما أن كثرت أسماء زمزم دليل لشرف المسمى ولكثرة الاستعمال واشترك الكثير منها في الدلالة على معان مشتركة مع أن المباني مختلفة فاسم زمزم مروية تلتقي مع رواء وسالمة ونافعة تلتقي مع مغذية وعافية وتلتقي مع شافية في حين غلبت الأسماء المشتقة على هذه الأماكن بعضها منقول من أسماء المكان كمقام إبراهيم والملتزم والمستجار والمدعى ومنها منقول من أسماء الفاعلين كصافية وعافية وكافية، ومنها منقول من أسماء المفعولين كمباركة ومضنونة وقد باتت صفات مشبهة لأنه أريد منها الثبوت والدوام.
مرجعا سبب الاختلاف في التسميات إلى اختلاف علماء اللغة لأن العربية لا يكاد يعلم بعدها ولا يحاط بقاصيها، فهي غنية بمفرداتها، وقال: بحكم قراءاتي في المعاجم اللغوية والجغرافية وفي الكتب التي تناولت مكة المكرمة وأخبارها وجدت هذه الظاهرة اللغوية واضحة فسجلت تلك الأسباب التي تبين فيها العلماء العلاقة بين الاسم والمسمى.
في حين جاءت مداخلات الحضور حسب مرجعيتهم اللغوية منهم من ذهب إلى الإبحار في علم اللغة والاستطراد في أسماء الأماكن في مكة المكرمة. ومنهم من طالب بأن يخصص موضوع آخر لمناقشة مسميات أبواب الحرم، في حين طالب بعضهم بضرورة أن تطبع المحاضرة وتوزع على الحجاج والمعتمرين للقادمين لأداء نسكهم، بينما قال الدكتور فاروق في مداخلته منذ قدومي للسعودية وأنا أتسال عن معني وسبب تسمية منطقة في مكة المكرمة ''محبس الجن''، ولم أجد لسؤالي جوابا ما يتطلب الأمر من أهل مكة الإبحار في هذا الجانب، فليس من المعقول أن يكون من غير أهل مكة أدرى بشعاب مكة.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي نظمها النادي الأدبي الثقافي في مكة المكرمة بعنوان أسباب تسمية الأماكن في مكة المكرمة، التي ألقاها الدكتور رياض الخوام وأدار اللقاء علي يحيى الزهراني، وذلك على مسرح النادي في حي الزاهر.