هدية تذكارية للسعودية.. صناعة صينية

عندما يأتي الزائر لأي بلد يسعى للخروج منه بأي تذكار يحفظ له ذكريات الزمان والمكان. وفي المملكة مع عراقة التاريخ وجودة الموروث إلا أن الزائر لا يخرج من هنا إلا بتذكارات صنعت من أرخص المنتجات لتباع في بلدنا. مع إهمال رسمي وتجاري للاستفادة من هذا الموروث الحضاري الذي تزخر به بلادنا. وواحد من هذه الموروثات فن النقش والرسم الجبلي، الذي تمتاز به عديد من مناطقنا كعسير والباحة وجازان ونجران وغيرها. في مساء من مساءات قناة الثقافية من عسير قدم الزميل الدكتور أحمد التيهاني برنامجا يتحدث عن موروث النقش والتصميم في البناء في منطقة عسير. وقد أدهشني ما رأيت في هذه الحلقة من تاريخ وموروث أهملناه بأيدينا، لا وزارة الثقافة ولا السياحة والآثار ولا أي جهة تعليمية سعت لتطويع هذا الموروث والفن ليخرج لنا بشكل تجاري يتماشي مع احتياجات البيئة الاقتصادية الحالية، ناهيك عن حماية الموروث الثقافي والفني لهذه المنطقة. الحلقة موجودة بالكامل على موقع اليوتيوب من خلال الرابط http://www.youtube.com/watch?v=rRa91KLFskA.
استضاف البرنامج الباحثة هيفاء الحبابي المتخصصة في الفن والتصميم أو ما يعرف بـ ''القط''، الذي تميزت فيه المرأة العسيرية. قصة دخول هذه الشابة السعودية واهتمامها بهذا الفن من القصص الطريفة، فعلاوة على أنها درست في إحدى أعرق جامعتنا المحلية تخصص التربية الفنية، إلا أنها لم تسمع يوما عن موضوع فن النقوش في عسير، بل ما قادها إلى هذا الفن هما المصادفة والاهتمام الغربي بحضارتنا. فقد تعرفت على هذا الفن من خلال معرض للتصوير في إحدى السفارات الغربية العاملة في المملكة، وبعدسات غربية.
فمن أوائل من وثق هذا الفن، مصور فرنسي نقل هذه الحضارة إلى العالم. وعرض بعض الأعمال التي أبدعتها الوالدة فاطمة أبو قحاص - رحمها الله - التي تعلمت فن القط بالفطرة ومارسته منذ كان عمرها ثماني سنوات، وأضحت أدوات النقش لا تفارقها حتى فارقت الحياة. هي الفنانة ذات المواصفات العالمية.
وإن كان بهو فندق قصر أبها يتزين بواحدة من أعمالها التي تفاخر بها، إلا أننا لم نعطها حقها. هذه المرأة السعودية التي لا تجيد الكتابة ولا القراءة لكنها ملكت أدوات فنية أوصلت رسالة الجمال إلى المتلقي.
السيدة الثانية التي تطرق لها البرنامج هي الفنانة حليمة رفيدي من قرية (أم شط) في بلاد علكم عسير، التي عملت جاهدة لتنفيذ متحفها الخاص بجهود ذاتية وإمكانات محدودة. تعرض فيه نماذج من حضارة فن القط والنقش. وتطالب حليمة وهي الحريصة على ألا يندثر هذا التراث العريق بأن تتم المحافظة على هذا الفن من أيدي المتجاوزين عليه.
هي حقا من الذين حافظوا على فن الأجداد في هذه المنطقة بعرض فنها بالألوان الطبيعية الساحرة. تقول أيضا في لحظة اعتزاز بما تقوم به، إنها لا تحتاج منا إلا التشجيع، وقد نذرت نفسها للمحافظة على هذا الفن وإيصاله إلى الجيل القادم، الذي يحتاج لتبنيه والمحافظة عليه.
إننا مع الأسف نسهم جميعا في وأد حضارة أمة عاشت على هذه الأرض بتجاهلنا وعدم اكتراثنا. وسأكتفي هنا بعنوان مقال للكاتب سعود القصيبي في صحيفة ''الشرق'' عدد (264)، بعنوان ''طمس الآثار سيحول تاريخ الجزيرة العربية إلى بكاء على الأطلال، أنصحكم بالرجوع إليه''، فقد أوصل الفكرة باقتدار.
مثل هذه المنتجات، علاوة على أنها تحافظ على ثقافة أمة، إلا أنه يمكن أن توظف تجاريا وسياحيا وثقافيا لإيصال رسالة هذه الأمة إلى أنحاء المعمورة. وأتمنى أن يأتي اليوم الذي نرى فيه مثل هذه الأفكار وقد تحولت إلى منتجات ملموسة تسهم في ربط الحاضر بالتاريخ، حفاظا على الموروث وخلقا لفرص تنافسية مستقبلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي