رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


وفرة في الإمدادات واختلال في المواصفات

تشير الأرقام الأخيرة للعرض والطلب على النفط إلى أن أسواق النفط العالمية تشهد فائضا في الإمدادات، حيث أظهرت بيانات التقرير الشهري لمنظمة الدول المصدرة للنفط ''أوبك'' وتقرير وكالة الطاقة الدولية، تفوق العرض على الطلب خلال النصف الأول من هذا العام بنحو مليوني برميل في اليوم، من المتوقع أن يستمر هذا التفوق في النصف الثاني أيضا، لكن بمستوى أقل. لقد انتقلت أسواق النفط إلى حالة التخمة في الإمدادات في هذا العام، مدعومة باستمرار السعودية في ضخ نحو عشرة ملايين برميل في اليوم، وارتفاع الإنتاج العراقي، وعودة الإنتاج الليبي، في وقت استمر فيه ضعف نمو الطلب على النفط في الاقتصادات المتقدمة وتباطئه في الصين وغيرها من الاقتصادات الناشئة. لكن مع ذلك ما زالت أسعار النفط مرتفعة نسبيا وفي ارتفاع، كما أن حالة ''التراجع'' Backwardation الحالي في هيكل أسعار النفط، أي أن أسعار الشهر الفوري هي أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة، تعتبر مؤشرا جيدا على قوة الطلب على شحنات النفط Physical Oil.
لقد شهدت أسواق النفط العالمية بعض التشدد بين العرض والطلب لمصلحة الطلب لأكثر من 18 شهرا التي سبقت الزيادة في الإنتاج السعودي في نهاية العام الماضي. بطبيعة الحال مع ارتفاع إمدادات النفط العالمية بدأت شركات التكرير في المناطق الرئيسة المستهلكة للنفط في العالم إعادة ملء الخزانات الفارغة. لكن على مدى الأشهر الستة الأولى من هذا العام استمر تخزين الكثير من إنتاج النفط الإضافي على حساب إمدادات المنتجات المكررة. إن معظم الزيادة في الإمدادات ذهبت نحو الشرق، حيث استوردت الصين كميات من النفط الخام أكثر بكثير مما استهلكت مصافيها. لكن هذه هي ليست المشكلة الأكثر حدة في إمدادات النفط.
في نهاية حزيران (يونيو) الماضي، كانت مخزونات النفط الخام في كل من الولايات المتحدة وأوروبا أعلى بنحو 25 مليون برميل مما كانت عليه في الشهر نفسه من عام 2011، في حين أن مخزونات المنتجات النفطية كانت أقل بنحو 40 مليون برميل. إن السبب وراء اختلال التوازن بين مخزونات النفط الخام والمنتجات النفطية يعود جزئيا إلى استمرار إغلاق مصافي النفط على جانبي حوض الأطلسي على مدى الأشهر الـ 12 الماضية. لقد تراجعت إنتاجية المصافي في هذا العام بسبب انخفاض طاقات التكرير المتاحة مقارنة بالعام الماضي، لذلك كان على شركات المصافي السحب من مخزون المنتجات لتلبية تزايد الطلب الموسمي. لكن هذا هو ليس كل السبب، حيث إن المصافي المغلقة لا تخزن النفط الخام. في الواقع أظهرت شركات مصافي النفط هذا العام ممانعة ملحوظة من تحويل الفائض الكبير في إمدادات النفط الخام إلى منتجات نفطية، على الرغم من أن هوامش أرباح وقود الديزل والبنزين العالمية كانت في أعلى مستوياتها في خمس سنوات خلال الربع الثاني من هذا العام.
عدم التوازن في مواصفات النفط الخام المطروحة في الأسواق عمق من تداعيات اختلال التوازن الإقليمي، إن العقوبات المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على إيران كانت واحدا من العوامل وراء هذا الاختلال في مواصفات النفط الخام، حيث ظهرت فجوة في إمدادات النفط الخام الحامضي (عالي الكبريت) في حوض الأطلسي. في تموز (يوليو) انخفض إنتاج النفط الإيراني إلى نحو 2.8 مليون برميل في اليوم، من نحو 3.6 مليون برميل في اليوم في بداية هذا العام، هذا الانخفاض دفع العراق إلى الموقع الثاني كأكبر منتج للنفط في منظمة أوبك بعد السعودية، حيث تجاوز إنتاجه ثلاثة ملايين برميل في اليوم في الشهر نفسه. للمساعدة على التعويض عن خسارة النفط الإيراني قامت السعودية بزيادة شحنات النفط الخام إلى آسيا والمحيط الهادئ. لكن ليس جميع زبائن إيران عانوا تراجع إنتاج النفط الإيراني، حيث استوردت الصين في حزيران (يونيو) نحو 550 ألف برميل في اليوم من الخام الإيراني، وهي تقريبا الكمية نفسها التي استوردت في العام الماضي. كما اتخذت بعض البلدان الآسيوية الأخرى تدابير لمواصلة الاستيراد من إيران، وإن كانت بمستويات أدنى.
العبء الأكبر من انخفاض إنتاج النفط الإيراني تتحمله أوروبا، حيث استوردت المصافي الأوروبية في أيار (مايو) نحو 800 ألف برميل في اليوم أقل مما استوردته من إيران قبل عام من ذلك التاريخ. في حين لم تتحمل شركات تكرير النفط الأمريكية أي أعباء من الحظر المفروض على استيراد النفط الإيراني، حيث لم تستورد هذه المصافي النفط الإيراني منذ عام 1991.
لكن إمدادات النفط الخام الحامضي البديلة عن النفط الإيراني مكلفة بالنسبة إلى أوروبا، حيث إن النفط الروسي المتوسط الحامضي الذي يعرف ''الأورال'' يتم تداوله منذ شهرين تقريبا على غير العادة بعلاوة Premium على نفط بحر الشمال الخفيف برنت. بعض المصافي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث معظم صادرات إيران التي تتجه غربا تذهب إليها، اعترفت بأنها أجرت تغييرات جذرية للتعامل مع لقيم من النفط الخام الذي يحتوي على 80 في المائة من النفط الخام الحلو (واطئ الكبريت) و20 في المائة من النفط الحامضي، هذه هي عكس النسب التي تعمل عليها هذه المصافي في العادة.
في الواقع هناك فائض من النفط في حوض الأطلسي، لكن هذا الفائض هو بصورة متزايدة من النفط الخفيف الحلو. لقد خفضت الولايات المتحدة من وارداتها من النفط الخام النيجيري بنحو 500 ألف برميل في اليوم في هذا العام بسبب ارتفاع إنتاجها المحلي من مصادر الصخر الزيتي. أولى المصافي التي أغلقت كانت الأقل تعقيدا، ما عزز كميات النفط الخام الخفيف الحلو في الأسواق. بعد سنة من توقف حقول ليبيا عن الإنتاج وصل الإنتاج الليبي من النفط الخفيف الحلو إلى أكثر من 1.4 مليون برميل في اليوم.
على الرغم من أن بيانات العرض والطلب العالمية لهذا العام تشير إلى وجود وفرة في الإمدادات، إلا أنها لا تعكس بأن هذه الوفرة في الإمدادات، خصوصا لكثير من مصافي التكرير، ليست بمواصفات النفط الخام المطلوب.

تنويه: المقال يعبر عن رأي الكاتب الشخصي وليس بالضرورة يمثل رأي الجهة التي يعمل فيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي