ماذا يقول الآخرون عنا اقتصادياً؟

أتت المادة الرابعة في تقرير البنك الدولي فرصة لإعادة النقاش الاقتصادي إلى المقدمة التي يستحقها ونتعاون جميعاً لإعادة ترتيب الأولويات التنموية عامة والاقتصادية خاصة. هناك معايير معروفة مثل الضعف في النمو الحقيقي والبطالة المصحوبة بعيوب هيكلية مزمنة في سوق العمل واضطراب في سياسة الإسكان وتنامي الإسراف في الطاقة التي هي مصدر تمويل الميزانية العامة. هذه العيوب المؤثرة تجثم على صدر الاقتصاد الوطني في انتظار نموذج جديد. على أثر هذه الإشكاليات علينا الاستماع لما يقوله الآخرون. أتت لي فرصة في أثناء إجازة الصيف في بوسطن التحدث مع أستاذ اقتصاد في جامعة هارفرد مهتم باقتصاد المملكة وسبق له أن قام بزيارة المملكة أكثر من مرة.
اتسم حديثه بتوجيه أسئلة لم أستطع الإجابة عنها. ولكنها فرصة للجميع في محاولة فك هذه الطلاسم لعلنا نجد طريقنا إلى النموذج المنشود. السؤال الأول: كيف للمملكة أن تفتح سوق العمل على مصراعيه لمزاحمة المواطنين في كل المهن وعلى جميع المستويات ثم تسن أنظمة وبرامج غير ملائمة مثل "نطاقات" و"حافز"؟ لم يفته ذكر أن التأشيرات والاستقدام في تزايد على الرغم من هذه البرامج وضعف النمو الاقتصادي. يعتقد أن الإشكالية المؤسساتية ضاعت بين عدم وضوح الفكر الاستراتيجي وبين الجهات التنفيذية. السؤال الثاني: لماذا تجد الأغلبية العظمى من الطلاب السعوديين في جامعات متوسطة وأقل من المتوسطة في أمريكا مقارنة بطلاب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية، حاولت أن أشرح أن التعليم عملية مترابطة وأن التعليم العام ليس في أحسن حال، ولذلك فإن الأغلبية لم تتعود على المنافسة والانضباط وليست المتابعة أثناء الدراسة بالمستوى المطلوب، مرة أخرى تؤول الأسباب إلى عامل مؤسساتي: غياب المنافسة وعدم الربط بين الحياة التعليمية الأكاديمية والحياة العملية. السؤال الثالث: لماذا الكثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية يتميز بصف أول في الغالب مؤهل، ولكن الصفين الثاني والثالث غالباً ما يكونان في علاقة غير رتيبة إدارياً فيمن هو أعلى أو أقل منه. مرة أخرى يراهن أن العامل المؤسساتي هو السبب فهذه الأدوار لا تجذب الطموح والمؤهل فهي فرصة للاستفادة من دخل حكومي ثابت دون إنتاجية تُذكر. وبالتالي تصبح هذه الوظائف مرتعاً لإعاقة الإنتاجية وارتفاع تكاليف الجهاز الحكومي وهذه بدورها بسبب الفصل بين الفكر والعمل.
هذه الأسئلة في طابعها ظاهراً ونتيجة اقتصادية ولكنها في العمق مؤسساتية (وضوح الرؤية وتأطير الفكر وتحديد النهج العملي) طبقاً لما يقول. ليست لديّ إجابات، فهذه أسئلة لا يستطيع فرد أو عمود صحفي أن يشخصها ويترجمها إلى منظومة كبسولات عملية جاهزة. هذه العيوب لها مدة وهي تنخر في الجسم الاقتصادي، ولكنها قد تصل إلى العصب المؤسساتي، وبالتالي تخرج عن قدرة الأدوار الفنية الاقتصادية إذا لم تعالج حثيثاً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي