الإحباط وندرة الفرص الوظيفية

الفرص الوظيفية والعمل، أو كما يطلق عليه أهل المغرب العربي الشغل، ليس بأحسن حال في كثير من أقطار العالم العربي والإسلامي، حيث البطالة العالية التي انتشرت في أوساط الشباب الذي يتطلع كل واحد منهم للحصول على فرصة عمل شريفة يكسب منها رزقه ورزق أهله، حيث تصل تبلغ أعداد العاطلين نسبا عالية، إذ تصل في بعض الدول إلى 20 في المائة أو أكثر في بعض الأحيان وتوجد في شرائح متعلمة ومؤهلة ولديها التدريب الكافي الذي يؤهلها للمساهمة في خدمة وطنها ومجتمعها، لكن لسبب الفساد المعشش في هذه الدول لم يتمكن كثير من أبنائها من الحصول على فرصة عمل، ما اضطر كثير منهم إلى الهجرة، وإن بصورة غير مشروعة تعرضهم وحياتهم لأخطار جسيمة.
هذه الأوضاع ما من شك أنها مكشوفة وترددها وسائل الإعلام، لكن ما قد يغيب عن البال: لماذا تسببت هذه الأوضاع المعيشية في إحداث التغييرات، أو الثورة على الأوضاع؟ وهل في كل بلد فقير توجد ثورة وسعي من الناس لتغيير الوضع أو النظام؟ تغيير النظام ليس هدفاً في حد ذاته، لكنه يكون هدفاً حين يكون البلد غنياً وفيه ثروات تكفي لاحتياجات الناس ليعيشوا في ظروف جيدة تتوافر فيها الخدمات، وفرص العمل، وفي الوقت نفسه يحرم الناس منها بسبب الفساد وانعدام الشعور بالمسؤولية عند من بيدهم الأمر، وكشفت التغيرات التي حدثت في بعض الأوطان العربية الثراء الفاحش من جراء نهب الثروات من قبل أفراد معدودين ليعيش معظم الناس في ظروف سيئة عبر عنها أحد السوريين، الذي ظهر على الشاشات معبراً عن الوضع السيئ حين قال وكرر: أنا إنسان، ولست حيوانا.
التفسير النفسي لهذه التغيرات المفاجئة يتمثل في حالة الإحباط التي عاناها الناس لفترات طويلة نتيجة الضائقة في كل مجالات الحياة وظروفها. الإحباط حين يتسرب إلى نفوس الناس يشعرهم في البداية بالعجز والضعف، وافتقاد الحيلة، وقد يعيشون لفترة مع هذه الحالة، لكن النفس البشرية كالوعاء الذي قد يفيض منه السائل إذا امتلأ، ومن ثم يقدم على تصرفات وأفعال تخفف عنه حالة الإحباط التي يعانيها، وإذا وجد الإحباط عند نسبة من الناس يكون التحرك جماهيرياً، والعمل ليس فردياً كما في حالة الانتحار.
في مجتمعنا نقرأ في الصحف، وفي تويتر، ونسمع في المجالس أحاديث كثيرة وشكاوى بشأن قلة الوظائف، والمتأمل فيما يكتبه الباحثون المؤهلون منهم، الذين قضوا سنوات طوال على مقاعد الدراسة في الجامعات والمعاهد العليا حتى حازوا المؤهلات التي كانوا يطمعون أن تدخلهم سوق العمل، لكنهم فوجئوا بخلاف ذلك. إن ترك الأمر على هذه الشاكلة يجعل المشكلة تكبر مع الوقت وتستفحل ومن ثم تكون آثارها كارثية، لذا لا بد من جهود مشتركة بين المؤسسات التعليمية والوظيفية والتخطيطية ترسم خطة استراتيجية عمل تخلص المجتمع من تراكم المخرجات التعليمية التي لا تحتاج إليها سوق العمل، وفي هذا درء لمفاسد قد تحدث - لا سمح الله - وصلاح للمجتمع الذي سيستفيد من المخرجات المؤهلة القادرة على سد الفراغ في مجالات العمل المتعددة التي تمتلئ بكفاءات غير وطنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي