رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل للحصار الاقتصادي من فوائد؟

في رسالة سابقة تحدثت ببعض الإسهاب عن الحصار الاقتصادي كسلاح في عالمنا المعاصر، وأثرت سؤالا مهما عن أغراضه وضحاياه، وخلصت إلى القول إن أغلبية ضحايا هذا السلاح هم العرب والمسلمون.
هذا أمر محزن وشأن يجب دراسته بإمعان من قبل أصحاب الشأن في العالمين العربي والإسلامي، لأن أهداف الحصار ليست اقتصادية بحتة. الدول القوية ذات السلطة تفرض الحصار على الدول الأخرى الأضعف منها بغية تغيير نهجها وتوجيهها الفكري والسياسي والعقائدي، وربما الديني أيضا.
إذاً المسألة أبعد مما نتصور. وهناك اليوم دراسات أكاديمية رصينة تبحث في هذه الشؤون وتأخذ الأوجه المتعددة والتأثيرات المختلفة لسياسات واقتصاديات الحصار.
وأوجه الحصار وتأثيراته تتغير بتغير أوضاع ومواقف السياسة الدولية واقتصاديات الدول المختلفة. في الماضي كان الحصار الاقتصادي الذي يُفرض حتى من قبل الدول الغربية في حد ذاته كافيا لإحداث تغيرات جوهرية ليس في نهج وتوجه الدول المستهدفة، بل في نسيجها الاجتماعي أيضا.
وأظهرت الدراسات حول هذا الموضوع أن وقع الحصار الاقتصادي يزداد بازدياد اعتماد الدولة على العالم الخارجي والمساعدات الخارجية من منح وقروض، ويخف تأثيره في حالة الاعتماد على الذات، ولا سيما في الصناعات الأساسية والمواد الغذائية الرئيسة.
وهناك معادلات أخرى ظهرت على السطح في عالم ما بعد الألفية الثالثة، حيث صار للقطب الرأسمالي الغربي منافسون أشداء، من الصعوبة بمكان إخضاعهم، إن قرروا عدم الامتثال لما يمليه الغرب الرأسمالي.
بعد أن كان الإجماع ممكنا بقدر تعلق الأمر بالحصار الاقتصادي، صار الآن شبه مستحيل نتيجة لتشابك المصالح الاقتصادية والسياسية في عالم اليوم.
وبعد أن كانت الدول المحاصرَة هي الخاسرة الوحيدة صارت الدولة الفارضة للحصار هي خاسرة أيضا .. لماذا؟ لأنك في عالم اليوم تستطيع شراء السلعة نفسها من مناشئ متعددة لاختلاف وتباين التوجهات السياسية والعقائدية والاقتصادية.
وتستطيع كذلك بيع السلع المحلية، ولا سيما الاستراتيجية منها مثل النفط إلى مناشئ أخرى - بالطبع ليس باليسر الذي كان قبل الحصار، لكن علينا الاعتراف بأن عالم اليوم هو عالم البدائل.
حتى العملة الصعبة - الدولار مثلا - في الإمكان استبداله. بعض الدول تبيع النفط - وهو أكثر سلعة حيوية في عالم اليوم - مقابل عملات أخرى منها الروبية الهندية. والهند اليوم تقطع أشواطا كبيرة في بعض الصناعات الحيوية مثل تكنولوجيا الكمبيوتر والإنترنت والاتصالات.
ومن أهم فوائد الحصار - حسب بعض الدراسات - ما يطلق عليه في علم الاقتصاد ''الاستثمار التلقائي''. وهذا النمط من الاستثمار، في رأيي، هدف يجب استغلاله ليس فقط عندما تُجبر الدول عليه نتيجة الحصار، بل يجب أن تقوم به طوعا وفي الحالات الاعتيادية.
في وضع الحصار يقل الاعتماد على الأجانب والشركات الأجنبية والصرف على الاستيرادات والعقود الخارجية، وهذا واحد من أهم إفرازات الحصار الاقتصادي.
الدول الذكية توجه - في حالة الحصار - ما كانت تنفقه على الخارج لأداء أعمال في الداخل من قبل الشركات والمؤسسات الوطنية كي تمكنها من النهوض والقيام، في أقل تقدير، ببعض الأعمال التي كان الأجانب ينفذونها. وسرعان ما يظهر أن العامل والمهندس والميكانيكي والعالم الوطني والشركة الوطنية بإمكانها القيام بأعمال لم تكن تخطر بالبال سابقا وأحيانا بإتقان يفوق ما لدى الأجانب.
الاستثمار التلقائي واحد من أهم فوائد الحصار رغم مضاره الكثيرة.
وكم أتمنى أن تبدأ الدول العربية، ولا سيما الخليجية منها، بتوجيه بعض استثماراتها صوب الداخل كي تمكن الشركات الوطنية، بعمالها ومهندسيها من المواطنين، من منافسة الأجنبي، لا بل التفوق عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي