ما لم تذكره المادة الرابعة
اهتم الوسط الاقتصادي في المملكة بالمادة الرابعة في تقرير صندوق النقد الدولي عن اقتصاد المملكة. للمعلومية المادة الرابعة تتحدث عن مرئيات الصندوق حول الأوضاع الاقتصادية والمالية بعد نقاش مع المسؤولين والمهتمين بهذا الشأن في كل بلد تشاورياً. خبراء الصندوق في الغالب اختصاصيون ذوو نزعة تقليدية الطرح في التحليل الاقتصادي والمالي، لذلك لديهم إسقاطات تقليدية ونماذج تحليلية معروفة. هذه النزعة مناسبة لأغلبية الدول، لكنني أرى أنها غير مناسبة لاقتصاد المملكة، فحين نخطئ وصف الحالة والتشخيص فسنخطئ حتماً الحلول.
لفتت نظري جملة ذكرها الصندوق حول المملكة تقول: "على الرغم من أن الحكومة أخذت بسياسة احتياطية إلا أن المصروفات الحكومية أعلى مما يتناسق مع استهلاك عادل للثروة النفطية بين الأجيال". ليس هناك بلاد كثيرة تتصف بنمو سكاني هائل وتستقبل هجرة اقتصادية مؤثرة في دولة رفاه جميع المنافع تقدم دون تكلفتها الاقتصادية وتصر على نموها بغض النظر عن الفجوة الاقتصادية، ومعتمدة على مصدر ناضب متذبذب السعر. لذلك فإن لب الإشكالية الاقتصادية يبدأ من تفهم أن هذه المعايير التقليدية لا تصف الحالة أصلاً. طبعاً هذه النماذج والمعايير منطقية بطبعها ومتماسكة نظرياً ولها علاقة، لكنها بعيدة عن حالة المملكة (فكرياً، حيث إنها تناقش نتائج مصروفات الحكومة ومرحلياً، حيث إنها لا تعترف بالفجوة بين دور المواطن والمقيم عملاً ومصلحة) لذلك فإن الارتكاز النظري والتحليلي عليها يحمل مخاطر.
لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة؟ هناك شق فلسفي، حيث سيقول الكثير إننا لا نختلف عن غيرنا، لذلك فإن أي نقاش خارج هذا التفكير التقليدي لن يجد مستمعيه، والشق الثاني عملي، حيث إن كل نموذج يبدأ بتأسيس قواعد نظامية ومصلحية تقاوم كل تفكير جديد خوفاً ودفاعاً عن مصالحها.
مظاهر الإشكالية الاقتصادية واضحة في العيوب الهيكلية المستمرة من سوق العمل إلى الضغط المتواصل على مرافق الكهرباء والماء إلى سوء الفهم في دور التعليم في العملية التنموية، إلى ضعف الرؤية في دور نظام الرهن العقاري وعلاقته بأسعار الأراضي ومستويات الدخل، إلى الفجوة المتنامية في المطلوبات المستقبلية على صناديق التقاعد في ظل إدارة أقل مستوى. البعض سيقفز إلى تشخيص الإشكالية في فساد هنا وهناك أو حتى كفاءة بعض المسؤولين عن هذه الخدمات؛ في نظري ليست هذه مصادر الإشكالية، إذ تنبع الإشكالية من عدم قبول حقيقة أن النموذج الحالي اقتصادياً وتنموياً تم استهلاكه، وذلك هناك حاجة إلى رؤية تنموية مختلفة جذرياً عمّا هو سائد اليوم في الدوائر الاقتصادية والمالية في المملكة. سأتحدث عن النموذج البديل في عمود لاحق.