هل تتمكن الجامعات من سد النقص في سلك القضاء؟

قبل ما يزيد على سنة ونصف السنة كتبت مقالاً في هذه الزاوية بشأن ضرورة التوسع في كليات الشريعة لتخريج قضاة يمكنهم مواجهة العدد المتزايد في القضايا التي يطول النظر فيها من قبل المحاكم، حتى أصبح التأخر في النظر والبت في القضايا أمراً مزعجاً، وصار حديث الناس، كما كتب عنه في الصحافة المحلية لأهميته وعلاقته بمصالح الناس التي تتأثر بمثل هذا التأخير إذا حدث. خصصت في المقال المشار إليه جامعة الملك سعود كجامعة يوجد فيها قسم دراسات إسلامية مضى على تأسيسه وقت طويل، ويوجد فيه من المتخصصين في العلوم الإسلامية كافة عدد كبير من السعوديين، وغيرهم، ولهم بحوث ومؤلفات وبرتب علمية متنوعة، وقد اكتسب خلال العقود التي مرت عليه الكثير من الخبرات، كما طور برامج دراسات عليا تقدم درجتي الماجستير والدكتوراة.
المقال جاء على خلفية تصريح للشيخ صالح بن حميد رئيس مجلس القضاء السابق، الذي ذكر فيه نقص القضاة وتزايد القضايا بشكل كبير، وذلك للتوسع في النمو والتطور الذي تشهده البلاد، ما يخلق مجالاً لنشوء قضايا تحتاج إلى بت فيها من قبل المحاكم، سواء تلك التي تحت مظلة وزارة العدل أو التابعة لديوان المظالم.
تزامن نشر المقال مع استضافة جريدة ''الاقتصادية''، وفي اليوم نفسه، وزير العدل محمد العيسى، وذلك في ''نادي الاقتصادية''، الذي دأب على استضافة ضيوف في تخصصات وخبرات ومن مجالات مختلفة، وقد سئل معاليه في ذلك اليوم عن إن كان هناك نقص في عدد القضاة فنفى وجود ذلك، وأكد كفاية عدد القضاة، لكنه برر تأخر القضايا وتراكمها ومرور سنين على بعضها بالنقص في الجهاز القضائي العامل مع القاضي من كتاب ومحضري قضايا، وغيرهم. كما أن الوزير وفي زيارة لجامعة الملك سعود لا أتذكر مناسبتها أكد عدم النقص في القضاة.
الآن وبعد مرور هذه المدة وبتاريخ 24/6/1433هـ نشرت جريدة ''الاقتصادية'' تصريحا لرئيس ديوان المظالم عزا فيه تأخر البت في القضايا إلى نقص القضاة، وزيادة القضايا المنظورة من قبل المحاكم التابعة للديوان، ومع إدراكي استقلالية ديوان المظالم والاختلاف في نوع القضايا التي ينظر بها إلا أني أدرك في الوقت ذاته أن حجم وعدد القضايا المنظورة من قبل المحاكم التابعة لوزارة العدل أكبر بكثير من تلك المنظورة من قبل الديوان. مشروع الملك عبد الله لتطوير القضاء، الذي رصد له سبعة مليارات، لا شك أنه جاء في وقت مناسب جداً، ويفترض أن يستغل لسداد أي خلل إداري أو تنظيمي قد يوجد، سواء في المقار، أو التجهيزات، أو في إعداد الكوادر القضائية المؤهلة، بدءاً بالقضاة، ومروراً بكافة العاملين مع القضاة، وعلى مختلف المستويات، وذلك في إعدادهم من خلال الكليات الشرعية، أو من خلال تدريبهم وتزويدهم بالمهارات اللازمة للعمل، بما فيها التعامل مع الناس، وما يتطلبه من دراية وإلمام بالنفس الإنسانية بكل تفاصيلها وتعقيداتها. كما أن مما يفترض أن يعنى به مشروع الملك عبد الله لتطوير القضاء بناء قاعدة معلومات قضائية تساعد الجهاز القضائي على سرعة إنجاز أعماله بالصورة المناسبة، والوقت المناسب، ولعل الاختلاف والتناقض في التصريحات بين مسؤولي القضاء يكشف وبصورة واضحة النقص في المعلومة، وافتقاد المؤشرات الدقيقة التي يتم بناء عليها الحكم على وجود الحاجة إلى مزيد من القضاة من عدمه، أو ربما أن التناقض في التصريحات يعني وجود أسباب أخرى قد لا يكون الواقع الذي يمتلئ بالقضايا المتراكمة هو المحك الذي بني عليه تصريح المسؤول الذي ربما لا تتوافر لديه المعلومة الدقيقة، أو ربما يفتقد المحك المناسب، ولذا فإن هذا الاختلاف في التصريحات بين المسؤولين يؤكد ومن دون أدنى شك الحاجة إلى قاعدة معلومات تسهل على المسؤول بناء قراراته، وتجعل تصريحاته دقيقة ومتسقة مع الواقع. كما لا أزال أرى ضرورة تصدي الجامعات لسد النقص في الجهاز القضائي لتلبية احتياجاته من القضاة، خاصة الجامعات المؤهلة مثل جامعة الملك سعود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي