رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


العالم يتوجه شرقا والشرق العربي ما زال أسير الغرب

الدراسات المقاربة والمقارنة بين الشرق والغرب كثيرة إلى درجة قد يصعب حصرها وعدها. وتقع أغلب هذه الدراسات ضمن فرع علمي أكاديمي يطلق عليه ''الاستشراق''. ومن اسمه نرى أن الأمر ينحصر، وفي أغلبه عمليا ونظريا، في رؤية الغرب للشرق.
وهذه الرؤية تستند في نظريتها المعرفية والمنهجية إلى أسس تاريخية ودينية وكذلك عنصرية وتقنية. تاريخيا، ولا سيما بعد أفول الشرق العربي والإسلامي، صار الغرب سيدا والشرق تابعا. دينيا، صار الغرب يرى أن ما لديه أسمى مما لدى الآخرين. وعنصريا صار صاحب البشرة البيضاء والعيون الخضراء أرفع مكانا من صاحب البشرة الداكنة والعيون الغامقة. تقنيا، تحول الغرب إلى قوة اقتصادية وعلمية وعسكرية هائلة، استعمر بواسطتها تقريبا كل الشرق وضمنه الشرق العربي والإسلامي.
هذه العوامل كونت علاقة غير متكافئة بين الغرب والشرق، وأفرزت هذه العلاقة توجها في الغرب مفاده أن الشرق متمثل حصريا في الدول العربية والإسلامية مثل باكستان وأفغانستان وإيران وتركيا لا بد من تطويعه وأحيانا حتى تركيعه. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف منح الغربيون أنفسهم الحق في اتباع سياسات وممارسات يطبقونها على دول الشرق العربي والإسلامي، رغم أنها في دساتيرهم تعد انتهاكات صارخة لأبسط الحقوق الإنسانية.
وأخطر ما أفرزته العلاقة هذه كانت وما زالت المفاهيم الخاطئة في الغرب حتى في أروقته العلمية والأكاديمية أن الشرق الأوسط ودوله هي التي تمثل الإسلام برمته. وهكذا ترى أن العالم الإسلامي الذي هو أكبر بكثير من الدول العربية والشرق أوسطية تم اختزاله فيما تقوم به جماعات محددة في هذه المنطقة، وصارت أعمال هذه الجماعات هي الحكم على السياسات الغربية.
واليوم أغلب الدراسات والمقالات الأكاديمية والصحفية وغيرها التي تخص المسلمين تأخذ الدول العربية والشرق أوسطية كمادة بحث تقدم خلاصاتها لأصحاب الشأن من سياسيين وعسكريين ومشرعين، الذين يتخذون قراراتهم استنادا إليها.
''الاستشراق'' تجذّر في الغرب، رغم ما نقوم به من جهود ومعنا الكثير من الباحثين لإخراجه من المعادلة التي ذكرناها سابقا، إلا أن أغلبها تذهب سدى.
واليوم أرى بعد أكثر من عقد من الجهد البحثي والأكاديمي أننا أمام معضلة كبيرة أساسها أن دولا علمانية وعصرية ـــ خذ السويد والدنمارك مثلا ـــ التي أسست مجتمعات مدنية يحكمها العقل ومبادئ حقوق الإنسان وليس الدين والمذهب والعنصر والتاريخ والماكينة، تفقد أخلاقياتها عند تعلق الأمر بالعرب والمسلمين. ألا تثير مسألة وجود قوات غزو سويدية ودنماركية في أراضي المسلمين (أفغانستان) أكثر من علامة استفهام؟
ويقع بعض العتب أو ربما أكثره على عاتق الدول العربية والإسلامية التي ذكرناها أعلاه، وهذه بعض الأسباب. أولا، ليست هناك دراسات رصينة في هذه الدول كي توازي الأثر الكبير الذي خلفه ويتركه ''الاستشراق'' في الغرب وخارجه. ثانيا، يبدو أن الغرب قد أسر قلوب الكثيرين في الشرق من الذين ما زالوا يرون فيه القوى الطاغية في الدنيا رغم نسبية هذا الأمر أو ربما عدم صحته في الوقت الحاضر. ثالثا، تنسى هذه الدول وشعوبها أن هناك اليوم شرقا قد نهض من كبوته وأخذ بزمام المبادرة وقصب السبق في العلم والمعرفة يتمثل اليوم في الصين وما حولها من دول أخرى. وأخيرا، يجب ألا تنسى هذه الدول أن الأغلبية العظمى من المسلمين التي تقطن دول شرق آسيا آخذة في النهوض. يبقى السؤال: أليس هذا وحده كافيا كي يوجه العرب والمسلمون في الشرق الأوسط بوصلتهم صوب الشرق الآسيوي الذي في أقل تقدير لا يحمل إرث الاستشراق بالمفهوم الغربي وكذلك تعيش فيه أغلبية المسلمين؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي