وكأن العربية لم تجُدْ إلا بـ «عيدية المتنبي»
وكأن العربية لم تجُدْ إلا ببيت المتنبي الشهير ''عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ، بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ''، خصوصا ونحن نعيش هذه الأيام أجواء مناسبة عيد الفطر المبارك، حيث تعوّد كتابنا العرب باتساع جغرافيتهم الثقافية استهلاك هذا البيت بطريقة غريبة، ويكاد أن يكون الوحيد الذي تحتشد حوله جميع الكتابات والتعليقات في شتى المواضيع، خصوصا ما يختص منها بأوجاع الأمة العربية والإسلامية مع إطلالة هلال شهر شوال.
فما هو السر في أن تختزل ذاكرتنا أبيات وكلمات وعبارات بعينها لترددها في مناسبات معينة وبشكل يبعث الملل ويهتك سر الجمال فيها؟ هل هو فقرنا المعرفي في ظل زخم المعلومات التي تتلاطم حولنا اليوم في شتى صنوف الجمال والأدب والشعر، أم أنه سر التقديس والتكرار والتأبيد لكل ما يعشعش في أذهاننا لنورثه للأجيال جيلا بعد جيل، ونحرمها حتى فرصة الوقوف على نتاج رئتها الغضة.
وحتما أنه رغم التعبيرية والجمالية الكبيرة التي تحملها أبيات شاعر العربية الكبير أبو الطيب المتنبي التي منحتها سمة الخلود أن هناك أبيات شعرية ومقولات أخرى لا تقل روعة وبعدا وجمالا عن أبيات المتنبي.. وكان من الممكن الاستشهاد بها ومنحها حق الحضور والتداول بين الناس إلا أنها غابت، بسبب ذهنية التكريس وحمى الترديد التي تسكننا.
ولعل ما قيل عن بيت المتنبي يمكن أن يقال كذلك عن كثير من عباراتنا، وكذلك أغنياتنا القديمة عن العيد، التي بتنا نرددها بالحد الذي يفقدها وهجها حين تصبح الوحيدة التي ترن في مسامعنا ليل نهار عبر الإذاعات والقنوات الفضائية، رغم بروز أغنيات جديدة ولافتة حول العيد كل عام، وإلا ما معنى أن تقتصر القنوات لدينا في ليالي العيد على كلمات من قبيل: ''ومن العايدين ومن الفايزين'' للفنان محمد عبده وكأنها (يتيمة) الدهر كلمة ولحنا وأداء.
أتصور أن المسألة تحتاج بالفعل إلى إعادة نظر، كي يتجلى لنا سحر وجمال التغيير، والتنوع في حياة لا يمكن لها أن تظل جامدة، خصوصا في مثل هذه المناسبات السعيدة.