رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كل هؤلاء متسوّلون

لقد أمرنا ديننا الحنيف بالبذل والعطاء وتقديم المال والمعونة للفقراء والبسطاء، فالمسلمون في كل مكان وعلى مر العصور ينفقون من أموالهم سرا وعلانية في وضح النهار وفي غسق الدجى يبتغون بذلك وجه الله والتقرب إليه – سبحانه - وما أجملها من عبادة! وما أعظمها من قربة! وما أبهجه من منظر وأنت ترى العاجز والمسكين والفقير المعدم يحصل على قوته من مجتمعه دون منة! فهذا حقه من المال ونصيبه من القوت، وهذه هي الحضارة، وذلك هو الرقي البشري في أبهى صوره.
إلا أن طرق وآليات دفع الزكوات والتبرعات والصدقات في بلادنا بدائية فيغلب عليها الطابع العشوائي ويشوبها الغموض وتحتاج بالفعل إلى تنظيم وترتيب ورقابة. فالناس تدفع الزكوات العينية والتبرعات النقدية للجمعيات الخيرية أو للأفراد المحتاجين مباشرة، فترى المحتاجين يجوبون أطوال المدينة وعرضها يعرفون أماكن بعينها، ولم يقتصر الأمر على الفقراء والمعوزين، بل تعدى ذلك إلى أصحاب المهن والحرفيين وعمال النظافة الذين أضحوا يهجرون مهنهم ويخلون بأعمالهم ويمدون أيديهم ليحصلوا على مال الصدقات.
كما أن المواطن نفسه ساهم في هذه الفوضى، فيدفع المال لمن يمد له يده دون التدقيق في أحقيته ومدى حاجته، وإن لم يجد من يمد يده له في الطرقات فإنه يدفع ما بحوزته لأقرب جمعية خيرية ولا يكلف نفسه معرفة أين تذهب أمواله؟ وكيف توزع؟ وعلى مَن توزع؟ وهذه - في رأيي – سذاجة، والمسلم كيس فطن يجب ألا يسمح لأحد أن يستغله أو يستدرجه.
نرى خصوصا في شهر رمضان المحتاجين وغير المحتاجين، الرجال منهم والنساء، البنات والولدان، نراهم يحاصرون المصلين في غدوهم ورواحهم من وإلى المساجد. فمنذ أن تخرج من باب منزلك وتضع أولى خطواتك على الطريق ترى الأعين تراقبك عن اليمين وعن الشمال ما بين متسول محترف وآخر بالفعل محتاج، حتى عمال النظافة هجروا أعمالهم واحترفوا تجسيد معاناتهم عند أبواب المساجد وعند إشارات المرور، بل وصل الأمر إلى أن بعض المهنيين والحرفيين يفضلون عدم العمل في رمضان، فما يتقاضاه في هذا الشهر وهو صائم وتحت لهيب الشمس يستطيع أن يجني أضعافه وهو جالس على أريكة عند أبواب المساجد فوقه مظلة تحميه من أشعة الشمس ونسيم الهواء يهب عليه من داخل المسجد.. فلماذا يعمل ويشقى؟
ولم يتوقف الأمر عن هذا الحد، بل أصبحت الجمعيات الخيرية وصناديق التبرعات تنافس المتسولين على تبرعات المواطنين (يقدر عدد الجمعيات في المملكة بـ 600 جمعية) كل هؤلاء يتنافسون على أخذ نصيبهم من أموال الناس خلال الشهر الكريم بطرق تثير الشبهة. فما أن تنهي الركعة الأخيرة من الفريضة وتسلم التسليمة الأولى إلا وترى عن يمينك (داخل المسجد) شابا يتوسط مكتبا متنقلا ينظر إليك متوسلا مستعطفا أن تدفع له قبل أن تتم صلاتك، وما أن تسلم التسليمة الثانية حتى ترى شابا آخر يبتسم لك وهو يحمل صندوقاً بين ذراعيه فإن استطعت أن تفلت من الأول، فالآخر لك بالمرصاد، ولا تدعي أنك لا تحمل نقودا، فالبديل موجود فكلا الشابين يحملان جهاز صرف إلكتروني لاسلكيا يمكنه من الدخول على حسابك في أي بنك وأخذ ما يريد - بمحض إرادتك بطبيعة الحال - فالبدائل موجودة المهم ألا تخرج من المسجد إلا وقد تبرعت طوعا أو كرها.
وأرى أن كل هؤلاء متسولون، من المرأة التي تقف لك بباب المسجد إلى عامل البلدية الذي يهجر عمله ويترك القاذورات داخل الحي المكلف بتنظيفه ويقف لك بالمرصاد عند إشارات المرور إلى الشاب الأنيق المتدين الذي يقف بمكتبه المتنقل داخل المسجد ينظر إليك قبل أن تنهي صلاتك، كل هؤلاء متسولون هدفهم واحد، وهو كيف يحصلون على أكبر قدر ممكن من المال بحجة الصدقة ودفع الزكاة.
ونحن لا نحارب التبرع ولا ننكر على الناس البذل والعطاء، إلا أن الطريقة التي تتبع غير منطقية وتحتاج بالفعل إلى تنظيم وترتيب وسن قوانين تحمي الناس من الاحتيال وتحمي الجمعيات الخيرية الفاعلة من التشكيك فيها وتطرد المتلاعبين من أفراد وجمعيات وصناديق وهمية تتلاعب بعواطف الناس وتستغل رغبتهم في البذل في الشهر الكريم وغيره.
نريد من الجهات المعنية، وفي مقدمتها وزارة الشؤون الاجتماعية، أن تقوم بحصر للجمعيات والصناديق الخيرية المؤهلة للقيام بهذا العمل وتصدر قائمة معتمدة من قبلها تعدل سنويا قبيل شهر رمضان تبين فيها الجمعيات القادرة على إدارة وتوزيع أموال الصدقات، التي يحق للناس إيداع أموالهم فيها وعليها (الجمعيات الخيرية)، أن تقدم حسابا ختاميا تبين للناس كم حصلت عليه من أموال؟ ومن أين حصلت عليها؟ وكيف أنفقتها؟ وما نصيبها من كل هذا؟ فهذه الجمعيات وإن كان يغلب على عملها الجانب التطوعي، إلا أن كثيرا من العاملين فيها يتقاضون مبالغ نظير جهودهم، وهذا حق شرعه الله لهم، لكننا نريد أن نعرف كم يدفع لهم؟ وكيف تقدر جهودهم؟
وعندما تضبط العملية وتتضح الآلية فيجب أن نتعاون جميعا، سواء مؤسسات خيرية ومواطنين ومقيمين، ونكف عن دفع الأموال لكل من يمد يده في الطرقات أو عند أبواب المساجد فمن يرى أحقيته في الزكاة، فما عليه سوى الولوج إلى إحدى الجمعيات المعتمدة من قبل الدولة ويثبت عوزه ثم يأخذ ما يسد حاجته، كما يجب على المتبرعين أن يلاحقوا تبرعاتهم لدى الجمعيات ويتأكدوا بالفعل أنها قد وصلت إلى المستحقين، فالقائمون على الجمعيات بشر مثلنا ينتابهم السهو وتسول لهم أنفسهم في السطو.
نتمنى من وزارة الشؤون الاجتماعية وغيرها من الجهات المعنية أن تنظم عملية إدارة وتوزيع التبرعات، خصوصا النقدية منها، فهناك الملايين من الريالات تخرج من جيوب الناس وتستقر في حسابات جهات معلومة وأخرى مجهولة دون أن نعرف طرق صرفها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي