رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عيد الفطر ومظاهر التكافل الاجتماعي السعودي

تلقى صديق لي ميسور الحال اتصالا من أحد أقربائه يقول له إن رب أسرة يعرفه لا يجد ما يشتري به متطلبات العيد لبناته الثلاث لضيق ذات اليد طالبا منه المساعدة، صديقي هذا سالت دمعته وهو يتحدث وما انتهت المكالمة حتى خرج مسرعا للتبرع شاكرا المتصل على حسن ظنه به، ورجع لنا بعد حين متهلل الوجه مبتسماً وشاكراً الله أن يسر لهذه الفرصة الخيرية.
قلنا له الجمعيات الخيرية كثيرة فلماذا لا تبادر لدعمها، فقال: أحمد الله أنني أفعل لكن أعاني الثقة والمصداقية، فالجمعيات الخيرية نسمع عنها أحيانا ما لا يسر كما نخشى أن تذهب صدقاتنا لمصارف لا نعلمها، في حين أن الفرص الخيرية التي تأتي من رجال ثقات وأرى المحتاج وأدعمه بنفسي وأرى الابتسامة تعتلي جبينه أشعر بالراحة أكثر كما أشعر بالمصداقية.
صديق آخر متكفل براتب شهري لأسرة محتاجة لمرض مزمن ألمّ بالأب يشعر هو الآخر بالسرور، ويحثنا على فعل الخير ويؤكد أنه وجد من الله - سبحانه - كل الخير منذ أن قام بهذا العمل الخيري، ويقول إن الله بارك له في ماله وصحته وأولاده نتيجة لذلك، وإنه مطمئن لهذا العمل الخيري لأنه يتعامل مع الحالة مباشرة ودون وسيط، والأمثلة التي تدل على تجذر روح التكافل الاجتماعي لدى الشعب السعودي عديدة ومفرحة.
المكون الأساسي لثقافة التكافل الاجتماعي لدى أفراد المجتمع السعودي هو الإسلام، حيث يحثنا ديننا الحنيف على التكافل الأسري والأقارب والجيران والمسلمين جميعا ''الأقربون أولى بالمعروف''، ونتيجة لكون العلاقة بين المنفق والمستفيد ترتبط برضى الله وعفوه ومنه وكرمه تجد معظم أفراد المجتمع السعودي مهما كان دخلهم يحرصون على الصدقة بكل أنواعها بما في ذلك الابتسامة في وجه الآخر، ورغم تكون هذه الثقافة الراسخة المرتبطة بالإيمان بالله ورسوله وكتبه واليوم الآخر إلا أن الكثير من المحتاجين يعانون ولا يجدون من يساعدهم على الخروج من ضيق الحاجة وبراثن الفقر .. فما السبب؟
عيد الفطر خصوصا عيد له أثر كبير في التذكير بالتكافل الاجتماعي وتحقيق مقاصده، حيث زكاة الفطر الواجبة شرعا والتي تذكر كل ميسور بإخوانه من المحتاجين، كما أنها ترفع من مستوى ثقة المحتاجين بنيل حاجتهم من الميسورين ما يجعلهم يظهرون أنفسهم بصورة أو بأخرى أمام الميسورين ما يجعل الميسورين يشعرون بحجم مشكلة العوز ويتحفزون للمزيد من العطاء، خصوصا في حال نشط الوسطاء لربط الفريقين كما فعل صديقنا في القصة التي ذكرتها أعلاه، لكن هل يكفي عيد الفطر لمعالجة مشكلة العوز أما أنه منطلق يذكرنا بالاستمرار لإيجاد بدائل لمعالجة مشكلة العوز بخطط فاعلة واقعية وقابلة للتطبيق؟
لنتفق أولا على أن الدولة، أي دولة، مهما بذلت من جهود لمعالجة مشكلة الفقر منفردة لن تستطيع، ولا بد من جهود أفراد المجتمع للتصدي لهذه المشكلة، وحل المشكلة يتطلب فكرا وتمويلا، والدين الإسلامي قدم الفكر (الزكاة الإغاثية الإلزامية، صدقات المساعد الاختيارية، الوقف الخيري التنموي) وأفراد المجتمع السعودي، خصوصا من أبناء الطبقة المتوسطة، وهم الطبقة الأكثر عددا يرغبون في تفعيل هذه الصيغ التمويلية – مع الأسف - الغالبية من الطبقة الميسورة لديها طرقها لتجنب دفع الزكاة - لكنهم يحجمون لأسباب عدة، لضعف الثقة من ناحية ولضعف المصداقية من ناحية أخرى، ولا شك أن الحرب على الإرهاب جعلت الكثير يحجم عن دفع الصدقات خوفا من أن تنعكس عليه سلبا بطريقة أو بأخرى.
إذن لنتخذ من رمضان وعيد الفطر مناسبة سنوية لتطوير القنوات الخيرية التي تمكن الميسورين والطبقة المتوسطة من المشاركة الفاعلة في تمويل المؤسسات الخيرية المعنية بالتكافل الاجتماعي ومشاريعها لتتمكن من التصدي لمشكلة العوز طوال العام بما يحول المعوزين من حالة الفقر إلى حالة أفضل شيئا فشيئا حتى يصبحوا من الطبقة المتوسطة، وتطوير القنوات الخيرية يتطلب تعزيز الثقة والمصداقية بهذه المؤسسات.
السؤال: كيف نطور الثقة والمصداقية بهذه المؤسسات لتصبح مشاريعها قنوات خيرية جاذبة ومحفزة للإنفاق والتكافل الاجتماعي؟ في اعتقادي أن الحل يتطلب أولا ''مؤمنين'' بماهية وأهمية العمل الخيري الذي يقومون به لإدارة المؤسسات الخيرية، ومؤمنين أيضا بأن مثل هذه الأعمال لا تدار بالعشوائية واستراتيجية طقها والحقها, بل تدار وفق أحدث الأنظمة الإدارية والمالية والتسويقية لبناء الصورة والسمعة أولا (العلامة الخيرية) ولتحقيق أعلى درجات الفاعلية والكفاءة ثانيا لبناء الثقة والمصداقية.
لكن نحن أمام مشكلة كبيرة، فكل ما واجهنا مسؤولاً في العمل الخيري ونقول له ذلك يقول لنا إنهم يطبقون أفضل وأرقى النظم الإدارية والمالية والتسويقية، وإن المشكلة في البيئة، حيث تخويف الناس وترهيبهم من التصدق وبذل المال الخيري من جهة، وحيث شح الأنفس لدى الكثير من الميسورين، وهو كلام يجانب الحقيقة من - وجهة نظري - وستبقى وجهتي النظرية جدلية ما لم توجد مرجعية علمية نتفق عليها لتقييم وضع المؤسسات الخيرية من جهة الثقة والمصداقية لدى جمهور المحسنين، وعلينا أن نعمل معا لإيجاد هذه المرجعية.
أتطلع إلى أن تقوم وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل بتطوير مؤشر العلامة الخيرية لكل المؤسسات الخيرية والذي يعكس مدى قوة العلامة الخيرية للمؤسسة، التي بدورها تعكس مستوى الثقة والمصداقية بهذه المؤسسة لدى أفراد المجتمع وتعلن نتائجه قبيل شهر رمضان الكريم من كل سنة، وكلي ثقة بأن مثل هذا المؤشر المرجعي سيرفع من مستوى أداء المؤسسات الخيرية ويعزز مستوى ثقة الجمهور بها وبمصداقيتها ما يجعله يقدم لدعم مشاريعها الخيرية والتي ستعزز مستوى التكافل الاجتماعي الداعم للجهود الحكومية للتصدي لمشكلة العوز والفقر - بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي