رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


درس في السياسة الناعمة

انتهى مؤتمر القمة، الذي دعت له منظمة المؤتمر الإسلامي في مكة المكرمة الأسبوع الماضي بنجاح ملحوظ يسجل للسياسة السعودية عامة وللدبلوماسية السعودية الناعمة خاصة. ما يجعل النجاح ملحوظا أنه أتى على خلفية أوضاع سياسية معقدة يشكلها استقطاب طائفي وصراعات إقليمية مستمرة وإرهاصات حرب أهلية في سورية، حين وجد الاستقطاب الطائفي والسياسي مرتعا خصبا فيها. حضور زعماء الدول المؤثرة في العالم الإسلامي مثل تركيا وباكستان وإيران ومصر دليل على نجاح الدبلوماسية السعودية، إذ إن ما يفرق هؤلاء أكثر مما يجمعهم في أغلبية الأحيان.
يشرح جوزف ناي الابن في كتابة "مستقبل القوة" أهمية توظيف مصادر القوة، لكنه يشدد على ما يسميه القوة الذكية بعد ما طور الفكرة من القوة الناعمة إلى القوة الذكية، حيث يعرفها بأنها مزيج ذكي متحرك من القوة المادية (العسكرية والمالية) والقوة الناعمة (الثقافية والدبلوماسية والمعلوماتية). نجاح هذا المزيج يعتمد على حسابات دقيقة لمصادر القوة، والمهارة في توظيفها من قبل صانعي القرار. راهنت المملكة على رصيدها المعنوي وتجربتها بمهارة في اختيار الزمان (شهر رمضان المبارك)، والمكان (بجوار الكعبة المشرفة)، والتوقيت؛ الاستقطاب الطائفي وجنوح إيران مع الأقلية السورية الحاكمة من ناحية، وصراع إيران مع إسرائيل من خلال الخطاب الإعلامي المتشنج واستعراض العضلات العسكرية. وقوف أحمدي نجاد بجانب خادم الحرمين الشريفين واعتدال النهج السعودي، ووقوف المملكة الأزلي مع الحق الفلسطيني بعيدا عن المزايدات الدعائية، أعطى الوسطية والنظرة المعتدلة معنى تتطابق فيه المسؤولية الأخلاقية مع المحتوى العملي والهدوء والرصانة، مع الأهداف البعيدة.
لا تزال إيران في منعطف خطير تختلط فيه آخر إرهاصات المد الثوري مع النزعة القومية الدفينة والظاهرة مما يُصعب فهمها والتعامل معها، ولذلك لعل المؤتمر فرصة لإيران لمراجعة سياستها وتفهم طبيعة الاعتدال السعودي وأهمية التعاون مع المملكة، التي سبق أن تحدث عنها علي أكبر رفسنجاني قبل أسابيع عدة، كما أن المؤتمر نجح في إبعاد الحكومة السورية الحالية (من خلال تعليق عضويتها)، مما يصب في اعتراف إيران الضمني بفداحة موقفها وخطوة مهمة في عزل الحكومة السورية. راهنت المملكة على التوظيف الأمثل للمكان والظرف والزمان، ولذلك جاء النجاح مميزا. كما أن المملكة أخذت مبادرة باقتراح مركز لحوار المذاهب، الذي جاء كامتداد لدعوة المملكة للحوار بين الأديان.
قد يلاحظ البعض أن القمة لم تُعط اهتماما كبيرا في دوائر الإعلام الغربية بسبب تنوع واختلافات الدول المكونة للمنظمة وعدم إلزامية قراراتها، لكن كما يذكر أحد مخضرمي السياسة الأمريكية، فإن السياسة في الأخير تبدأ وتنتهي بطابع ونكهة محلية، خاصة أن الاعتبارات السياسية المتعلقة بالقمة ذات طابع إقليمي في المقام الأول، ولذلك فإن النجاح مهم ومعتبر ووليد تجربة غنية وإعداد دقيق، غياب وزير الخارجية كان واضحا، لكن عمله كان حاضرا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي