وقفات تأمل ونحن نفرح بالعيد
الوقفة الأولى: لقد كانت سعادتي كبيرة عندما أرى خيام ''إفطار صائم'' تُنصب في الساحات المجاورة للمساجد الرئيسة في العاصمة وغيرها من المدن والقرى خلال شهر رمضان المبارك، وألاحظ الوافدين من غير المواطنين يتوافدون إليها بأعداد كبيرة. هذا المشهد يعكس الخير في المجتمع السعودي ويجسد التسابق لكسب الحسنات والأجر، امتثالاً للحديث الشريف ''من فطر صائماً فله مثل أجره''.
ولكني كنت أشعر ـــ دائماً ـــ بالحزن عندما أرى هذه التجمعات الرائعة تخلو كلية من المواطنين السعوديين، مما يحد من التلاحم بين أعضاء الجسد المسلم ويقلل من التفاعل بين الوافدين والمواطنين. وكما يُقال فإن هذا الافطار يمكن أن يكون ''الملح والعيش'' الذي يبني جسور المحبة والتفاهم عن قرب.
لو قُدر أن يكون المواطن حاضراً في مثل تلك الأجواء الرمضانية لأسهم في خلق تفاهم أكبر وساعد في تعزيز الثقة بين الثقافات المتنوعة التي ينتمي إليها هؤلاء العمال، ولكان مجالاً للتواصل الثقافي الجميل والممتع الذي لا يبرز ـــ عادة ـــ إلا على موائد الطعام وفي أوقات الأنس والراحة.
الوقفة الثانية: لقد تغيرت مظاهر العيد، فلم يعد العيد بالنسبة لكثير من الناس فرحة كبيرة بقدر ما هو تأدية واجب ديني وأسري تجاه الأقارب والأصدقاء. كثير من الناس اعتادوا على السهر طوال ليالي رمضان مما يجعل من الصعوبة الاستيقاظ مبكرا لأداء صلاة العيد وتأدية واجب السلام على الأقارب والأصدقاء! أصبحت التهنئة بالعيد من خلال الرسائل الهاتفية، وفي حالات محدودة يمكن أن ترتقي إلى مكالمة هاتفية صوتية مختصرة. لا شك أن تغير أنماط الحياة وطبيعية الأعمال التي يمارسها الناس تفرض هذا التغيير، ما جعل بعض الأسر يحتفلون بالعيد في موقع محدد وزمن محدد كمساء يوم العيد أو اليوم التالي، لكي يتمكن الأقارب من التجمع والسلام على بعضهم. وهذه التجمعات جميلة، ولكن يقلقني أنها ربما تؤدي إلى التقوقع ''العائلي'' وتعزز روح ''القبلية'' التي قد تضعف الاندماج الشعبي!
الوقفة الثالثة: في الماضي كان هناك اندماج كبير بين الأسر والوافدين إلى المدن والقرى ما يشعرهم بفرحة العيد، أما اليوم فأصبح هناك عزلة اجتماعية بين الفئتين. كنت أتمنى أن يشارك هؤلاء الوافدون في احتفالات العيد بأداء بعض رقصاتهم الشعبية ونماذج من فولكلور بلادهم، بل وبعض أكلاتهم وأطباقهم الوطنية. تأمل ـــ أيها القارئ ـــ كم سيكون لنا من الأصدقاء المتعاطفين مع قضايانا، لو تم إدماج هؤلاء الضيوف في برامج العيد وغيرها من الاحتفالات الاجتماعية، حيث تستضيف كل الأسرة واحداً على الأقل من هؤلاء لكي يتعرف على الوجه الآخر للأسرة السعودية. والشيء بالشيء يُذكر، في بعض الدول كالولايات المتحدة هناك مؤسسات خيرية تقوم بالتنسيق لاستضافة الطلاب الأجانب لدى بعض الأسر الأمريكية في الأعياد الوطنية كعيد ''الشكر'' وغيره، وذلك من أجل تعزيز التواصل الثقافي وتعميق المعرفة بين الثقافات.
ختاماً.. أنتهز الفرصة لأقدم التهاني المخلصة والدعوات الصادقة للجميع، وكل عام وأنتم بخير.