ضحايا الحصار الاقتصادي.. العرب والمسلمون

الحصار الاقتصادي صار وسيلة لا بل سلاحا تستخدمه غالبا الدول الغربية (أوروبا وشمال أمريكا) لتحقيق مآربها وغاياتها في مسعى، كما تقول، للدفاع عن حقوق الإنسان أو لتفادي الدخول في نزاع مسلح. ولكن إن نظرنا إلى هذا السلاح الجديد، ولا سيما في العقود الأخيرة، لرأينا أن أغلب ضحاياه دول عربية أو إسلامية.
واليوم صار الحصار جزءا من الدراسات الأكاديمية، هناك أبحاث كثيرة وكتب عديدة تتناوله بموضوعية عالية شارحة منافعه ومضاره من الأوجه كافة إن كان بالنسبة لفارضيه أو الواقعين تحت نيره.
وفي نيتي تقديم ملخص لهذه الدراسات في هذا العمود لأن أغلب ضحايا الحصار اليوم هم من العرب والمسلمين، ناهيك عن التغيرات التي حصلت في ماهية الحصار كمفهوم اقتصادي وسياسي منذ أن دخل العالم الألفية الثالثة.
ويبدو لي أنه ما زالت هناك دول عربية أو إسلامية تعتقد أن الغرب ما زال ماسكا بناصية دنيا المال والاقتصاد والعلم والدفاع وغيرها من الشؤون بعد انتهاء الألفية الثانية. مهما كان موقفنا إيجابيا صوب الغرب إلا أن الدنيا تغيرت كثيرا في الـ 12 سنة الماضية، أي منذ ولوجنا في الألفية الثالثة، وهذا باعتراف الغرب نفسه.
بوصلة التطور والحضارة والمدنية والعلم والتكنولوجيا تتجه شرقا صوب الصين وما حولها، هذا بشهادة مجلة فورين بوليسي الأمريكية ذات التأثير الفائق في دنيا السياسة، حيث قالت في عددها الأخير إن الغرب خسر مكانته للصين، وإن القرن الأول من هذه الألفية هو قرن الشرق الصيني.
المشكلة التي يواجهها الغرب وسياساته، ولا سيما تلك الخاصة بالحصار الاقتصادي، تكمن في عدم إدراك بعض الدول الغربية أيضا أن الزمن الذي كانت فيه تفرض على الدنيا تطبيق قوانينها الداخلية قد ولى إلى غير رجعة، لأن هناك دولا اليوم لا تعترف بالقوانين الداخلية للآخرين، والصين نموذج لهذه الدول.
هذا مختصر شديد لما يحدث في عالم الحصار بقدر تعلق الأمر بفارضيه، حيث إن ما كان الغرب يراه فرضا على الكل صار اليوم فرضا عليه وحلفائه فقط.
ومن ناحية الشعوب التي يستهدفها الحصار تظهر الدراسات الأكاديمية أن المعاناة الحقيقية تقع على كاهل الأبرياء، لا سيما الطبقات الفقيرة في المجتمع التي لا ناقة لها ولا جمل بالأسباب التي يقول الغرب إنه فرض الحصار من أجلها.
والنظم تتأقلم مع الحصار وبعضها تتخذه ذريعة للتشبث بالسياسات التي كانت وراء فرضه، وقلما حدث أن كان الحصار سببا للتغير نحو ما يبتغيه الغرب من فرضه.
والهدف من فرض الحصار، لا سيما على الدول العربية أو الإسلامية من قبل الغرب، نفعي، أي يجب أن تكون نتائجه في محصلتها النهائية خدمة الغربيين ومصالحهم.
والنفعية مفهوم فلسفي يتبناه الغرب كثيرا، ومعناه أن تصرفاتي وسياساتي تأتي قبل الأخلاق طالما كانت ذات منفعة لي ولحلفائي. هذا المفهوم لا يوائم الشرق العربي والإسلامي، حيث غالبا ما تأتي الأخلاق قبل النفع.
ولهذا قد يصبح العرب والمسلمون ضحايا سياسات الحصار لأسباب يراها الغرب أنها تنتهك الأخلاق وحقوق الإنسان، بينما لا يمكن التصور أن الغرب سيفرض حصارا على حلفائه الذين ينتفع منهم، مثل إسرائيل التي رغم احتلالها غير القانوني للأراضي الفلسطينية وتطبيقها سياسات غير إنسانية على الملايين من الفلسطينيين تزداد مكانتها لدى الغرب كلما أمعنت أكثر في هذه السياسات.
والعرب والمسلمون، ربما انطلاقا من أخلاقياتهم أو بسبب انقساماتهم، يترددون في فرض الحصار على فارضي الحصار عليهم أو مقدمي كل أشكال الدعم لأعدائهم. لو وحّد العرب والمسلمون سياساتهم مثلما تفعل الدول الغربية، فإن أي رد بالمثل أو حتى التهديد به سيجعل فارضي الحصار عليهم وداعمي أعدائهم يعيدون حساباتهم ويهرولون لمرضاتهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي