مثقفون وأدباء يخشون من تفشي ثقافة التواصل فضائيا وإلكترونيا بعيدا عن الأرض

مثقفون وأدباء يخشون من تفشي ثقافة التواصل فضائيا وإلكترونيا بعيدا عن الأرض

شدد مثقفون وأدباء على ضرورة الاحتفال بأجواء العيد بالتواصل الاجتماعي المباشر على أرض الواقع، بدلا من المعايدات والأصوات الفضائية، لكون الأخيرة مجرد محاكاة للواقع وشبيهة له وليست أصلا يمكن الارتكاز عليه في كل الأوقات، مبدين تمنيهم بانتشار ثقافة المجالس الأهلية وتعميمها على جميع مدن ومناطق السعودية، لما لها من آثار جيدة في حال تم استغلالها كمنبر تعليمي وثقافي وتربوي وتهذيبي.
وبحسب ما أفادت الشاعرة أشجان هندي أستاذة الأدب العربي الحديث في جامعة الملك عبد العزيز بأنها تخشى من تفشي ثقافة التواصل الإلكترونية سواء ما كان بواسطة الهاتف النقال أو الأجهزة الحديثة التي تضم مواقع التعارف والتواصل الاجتماعي وتأثيرها على إلغاء ثقافة التواصل المباشر بين الناس، مؤكدة أن التواصل الإلكتروني لا يغني عن التواصل الاجتماعي المباشر والمعايدة باللقاءات الأهلية وفوائده السامية في تعزيز التراحم والترابط الأخوي والإسلامي.
وقالت هندي لـ ''الاقتصادية'': إن أصواتنا ومعايداتنا أصبحت فضائية، ولا شك أن الوسائل الحديثة في التواصل الاجتماعي فعالة ومؤثرة ومهمة، لكن الخوف من الاعتماد الكلي عليها في حياتنا ومناسباتنا المهمة وما يترتب على ذلك من التعلق بها والارتكاز عليها كمعين للمعارف والعلوم والثقافة، وما نخشاه أيضا أنه في لحظة واحدة كانقطاع الكهرباء يتلاشى كل شيء ويفقد كل ما تم جمعه، منوهة إلى أن سلبية التواصل الفضائي أكثر من إيجابياته.
وأضافت هندي أن الناس ليسوا جميعا يمتلكون وسائل الاتصال الفضائي، وبعضهم الآخر غير قادر على التواصل الدائم، ولذا فإن المجتمعات المستهدفة بالتثقيف التي نتحدث من أجلها ليست ضمن الموجود داخل هذا الصندوق الفضائي، وإنما ما يدار من أحاديث هي بين الشريحة ذاتها، بينما الشرائح الأخرى والحياة الاجتماعية الحقيقية موجودة في الخارج ولا تدخل ضمن الإطار التشكيلي في الفضاء الإلكتروني، مستدركة أن الفضاء الإلكتروني هو محاكاة للواقع شبيه له إلا أنه يفتقد الخصوصية والحميمية التي تلتمس في أرض الواقع.
كما أكدت هندي أن الانشغال بمواقع التواصل الاجتماعي جعلتنا مشغولين بأوهام وليس بأفعال، ولا سيما أن الوقت جله يستغرق فيها، وبالتالي فإن الإنتاجية شبه معدومة باستثناء الإنتاج داخل الصندوق على الصعيد ذاته وليس على مستوى الحياة بشكل عام، مبدية تمنيها بأن التجربة الإنسانية طالما هي واحدة، فلم لا نجعلها احتكاكا بالآخرين بنظرية التأثير والتأثر؟ لتقويم السلوك واقتباس التجارب من أصحابها مباشرة في الفضاء الأكبر المعايش.
وأشارت هندي إلى حاجتنا لمن يذكرنا، وهذا الأمر يسهله مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه ينبغي عدم التعويل عليه، لأنه قد يحمل لنا مشاعر غير حقيقية، لكونها من وراء حجاب، ومع مرور الأيام من الممكن أن تسبب فقدانا لآداب التخاطب الإنساني وأساليب التعامل مع الآخرين، وتعزز من اللامبالاة بمشاعر الطرف الآخر، حتى غدا وجود المهذب في الخطاب اللبق في الأسلوب مستغربا عند الكثيرين.
من جاب آخر، أوضح الشاعر عبد الله البراهيم أن الوسائل الحديثة باعدت الناس عن بعضهم البعض، وأن سريان مفعولها لا ينحصر في الأطفال والشباب، وإنما أصاب بعض كبار السن الذين غدوا يكتفون برسائل الهاتف النقال في المعايدات والمناسبات، معلنا عن أهمية انتشار ثقافة الديوانيات أو ما يطلق عليها المجالس الأهلية التي بإمكانها أن تحدّ من ظاهرة استخدام الوسائل الحديثة وتختصر الوقت في زيارة واحدة تجمع كل الأقارب والمعارف بدلا من زيارات متعددة، وضرورة تعميمها على جميع مدن ومناطق المملكة.
وقال البراهيم: تختلف مفاهيم ثقافة العيد بين الطبقة المثقفة في المجتمع وبالأخص لدى الذين يحملون الهم الوطني والهم الاجتماعي من أدباء ومثقفين، ويتجلى مظهر تأثرهم من خلال مشاركاتهم وسلوكياتهم في احتفالاتهم في مثل هذه المناسبات، موجها إلى أهمية استغلال اجتماعات مناسبة العيد، خاصة عيد الفطر الذي أتى بعد صيام شهر رمضان بألا تكون مجرد لقاءات للضحك والتسلية والسخرية أو افتقاد الغائبين، وإنما ينبغي أن تعكس القيم السلوكية والتهذيبية التي تفضّل الله بها علينا في الصيام بأن تكون منبرا تعليميا تثقيفيا تربويا تهذيبيا، وأن يعمل على سريان مفعولها على بقية الأشهر.
وأشار البراهيم إلى إحدى قصائده التي كتبها في أحد الأعياد الماضية حملت عنوان ''أقبل العيد'':
أقبل العيد ولكن أيُّ عيدٍ
سلْه يخبرْكَ ويأتي بالمزيدِ
أقبل العيد على أرضٍ تلَوَّى
من سياط الجوع والفقر الشديد
فوقها المحرومُ من عيش كريمٍ
ليس بالمحظوظ حالاً والسعيد
كم تمنى أن يطولَ الليلُ حتى
لا يَرى للعيد من فجرٍ جديد
كم توارى في وهاد الليل حتى
لا يُرى منكسرا فوق الصعيد
أقبل العيد وللأيتام دمعٌ
ساكبٌ يجري على تلك الخدود
مفصحا عن حالهم للناس كي ما
ترتقي الأرواح بالفعلِ الحميد
تمسح الدمع بكف العطف رفقا
بالذي أعيته من بعد الفقيد
ضائقات العيش لم ترفق بطفلٍ حالهُ
في قبضة الدهر الكؤود
بين ذي المعروف طورا ثم طورا
بين أهل الشح والقلبِ الجَحود
وعن اختلاف مفاهيم ثقافة العيد لدى الرجل والمرأة بيّن البراهيم أن مفهوم العيد يختلف شيئا بسيطا لدى المرأة عن الرجل، كون المرأة أكثر حرصا على أن تبدو بمظهر جميل وجذاب بطبيعة أنوثتها وليس على المستوى الأسري فقط، وإنما لقريباتها ونساء مجتمعها، لأنه يعكس موقعها في المجتمع كأن تكون إحدى سيدات المجتمع أو زوجة رجل ذي صيت وشهرة، كما تختلف مفاهيم احتفاء المثقف بثقافات أجنبية عن غيره ويبدو ذلك من خلال مظهره وملبسه وعدم رغبة الكثير منهم في الاستماع بأجواء العيد مع أسرهم داخل السعودية، وإنما يفضلون السفر خارجها.

الأكثر قراءة