رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التربية والتعليم واستعادة كليات المعلمين

نعود لموضوع الترهل الإداري في الجامعات الذي سبق وأن بدأت أول حلقاته قبل نحو ثلاثة أسابيع، حيث عرضت في المقال الأول تعريف الترهل الإداري، وكيف أصيبت به الكثير من جامعاتنا من حيث لا تدري، ثم بينت بعض أعراضه وقدمت بعض المقترحات التي قد تفيد للتخلص منه. أما المقال الثاني فقد كان مقتصرا على كليات المجتمع التي ابتليت بها الجامعات وكيف أثقلت كليات المجتمع الجامعات وأصابتها بالترهل المبكر، وبينت كيف يمكن التخلص منها بوضعها تحت مظلة هيئة مستقلة، فبوضعها الحالي ضررها أكثر من نفعها وستتفاقم مشكلة التعليم العالي وستقيد مسيرة الكثير من الجامعات، أما هذا المقال فسيكون مخصصا لمناقشة وضع كليات المعلمين.
حتى تتضح لنا الصورة عن كليات المعلمين دعونا نعود إلى الوراء قليلا إبان نشوء الفكرة. بدأت كليات المعلمين بمقترح من وزارة التربية والتعليم (وزارة المعارف سابقا) لسد النقص الشديد الذي كانت تعانيه الوزارة من المعلمين. فنشرت الوزارة كليات للمعلمين في كل محافظة تقريبا هدفها إعداد أكبر عدد ممكن من المعلمين في أقل فترة ممكنة. فالهدف تزويد وزارة التربية والتعليم بمعلمين (أي نوع من المعلمين) لا يهم نوعيته أو مقدرته أو استعداده أو رغبته كل هذا لا يهم، المهم معلم ولو بأقل المواصفات حتى لو حصلت الوزارة على نصف معلم فلا يمنع ذلك. واستمرت كليات المعلمين في تخريج أنصاف المعلمين واكتملت مدارس وزارة التربية والتعليم بما ترونه ونراه من هذه النماذج التي يطلق عليهم معلمون وهم في الوقت نفسه موظفون فلهم حقوق ولهم رواتب وإجازات وتقاعد، وأصبحنا ننظر إليهم على أنهم بالفعل معلمون لهم رسالة ويحملون فكرا رغم أن كثيرا منهم يجاهرون بأنهم لم يسلكوا طريق التعليم، ولم يرغبوا في هذه المهنة إلا بعد أن ضاقت بهم السبل فلم يجدوا ملجأ يضمهم سوى التربية والتعليم ممثلة في كليات المعلمين.
وبعد أن قضت التربية والتعليم وطرها وحصلت على بغيتها وأصبح لديها أرقام هائلة ممن يطلق عليهم معلمون حان الوقت للتخلص من هذه التركة الهائلة من الكليات بما تحويه من أعضاء هيئة التدريس وموظفين وبنية تحتية، فلم تجد لها مكانا يضمهم ويقبل بهم سوى التعليم العالي الذي قبلها دون أدنى تردد ولا زلنا نتساءل كيف وافق التعليم العالي على ضم كليات المعلمين؟ كيف وافق على استقبال هذه الأعداد الهائلة من الكليات المتماثلة في برامجها ومخرجاتها؟ هل كانت الجامعات تطمح في ميزانيات كليات المعلمين، وتريد استثمارها في بناء كلياتها التقليدية؟ أم أنها تريد الإفادة من أعداد الموظفين وترى فيهم صيدا سمينا لسد النقص الذي تعانيه الجامعات من الموظفين الأكفاء؟ لا ندري بالضبط، ولكن يبدو أن مؤسسات التعليم العالي لم تدرك أبعاد المشكلة في حينه، بل أظن أنها لم تدرك حجم المشكلة بعد. فقد وصل الأمر أن بعض الجامعات لا ترى أن هذه مشكلة ولا ترى ضررا من ضم أي كلية أو معهد أو مركز في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة، ومن يتبنى مثل هذا الرأي هم أصحاب الفكر التقليدي في الإدارة وقليلو الخبرة والمعرفة في مجال الإدارة والتنظيم، ويا ليتنا نتخلص منهم قبل أن نتخلص من كليات المعلمين.
لقد كان من الخطأ ضم كليات المعلمين إلى التعليم العالي، فقرار كهذا حوّل مسيرات الجامعات وأضر بكليات المعلمين نفسها وبالكليات التقليدية للجامعات، خصوصا أن بعض الجامعات لم تقم بأي عمل لإعادة هيكلتها أو دمجها مع كلياتها أو اختزالها، فتركت الوضع كما هو عليه عدا تغيير أسمائها ليس إلا. وهنا نريد أن نتوقف فلا نعود إلى الوراء ونجلد ذاتنا ونلوم بعضنا، ولكن علينا أن نواجه الواقع، وأول خطوة هي الاعتراف بهذا الخطأ ثم معالجته.
ولنفترض أن الجامعات اعترفت بهذا وتيقنت من ضرره فكيف تتعامل معه؟ في البداية على الجامعات أن تنسق مع التربية والتعليم وتتفاوض معها وتقنعها في إعادة كلياتها إليها، وعلى التربية والتعليم أن تقبل، فهناك مكاسب كبيرة تجنيها التربية والتعليم من عودة كليات المعلمين إليها، فيجب ألا تنظر إلى الأمر على أنها كليات تفرخ معلمين، بل على أنها مراكز تدريب والتربية والتعليم تحتاج إلى تدريب معلميها ونراها الآن وهي تعاني الأمرين من تدريب المعلمين حتى وصل الأمر بها أنها توجه المعلم المخضرم وتستجديه بأن يدرب المستجدّ منهم، وهذه من أقدم الطرق في التدريب وهي طريقة المحاولة والخطأ، والشيء المحزن هنا أن المعلم القديم لم يحصل على دورات تدريبية منذ تخرجه، فكل ما يملكه لا يتعدى خبرات متناثرة عثر عليها هنا وهناك، وبهذا فهو ينقل تجارب دون أن يكون لها تأصيل علمي، وهذا لا يمكن أن يطلق عليه تدريبا البتة.
أما إذا رفضت التربية والتعليم استعادة كليات المعلمين فهذا يحتاج إلى إعادة هيكلة هذه الكليات بما يتفق ووضع الجامعات وسعيها نحو معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي، وهذا الأمر يحتاج إلى تفصيل لا يتسع المكان لسرده. ولكن نريد أن نختم المقال فنقول: إنه يجب ألا يترك الأمر كما هو عليه فقد تضررت الجامعات من ضم كليات المعلمين، كما يجب توعية القيادات الأكاديمية بعدم السعي وراء تضخيم حجم الجامعة وزيادة كلياتها وامتداد فروعها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي