كلنا مخطئون
حين خرجت إلى السوق في تلك الليلة لم أكن أعتقد أن شيئاً قد يحدث بحيث يكون مادة موجعة لمقالي هذا الأسبوع وأنا هنا لا أخبركم به كمادة إخبارية، بل أريدكم أن تشاركوني فيه وتعلموا أن ما حدث قد يجد أي واحد منا نفسه في مثل هذا الموقف الموجع، ولذلك فعلينا أن نواجه عيوبنا ومشكلاتنا بدل أن ندفن رؤوسنا في الرمال، سأنقل لكم المشهد كما حدث أمامي تماماً.
وقفت أمام صرّافة السحب الآلي مع طفلتي حين سمعت صوت امرأة تصرخ بصوت محروق على ابنتها المراهقة النحيلة وتشدها من تلابيب عباءتها وتنفضها بقوة وهي تتلفظ بكلمات لم أفهمها جيداً ثم بدأتْ في ضربها وركلها وصفعها بقوة وبقسوة جعلت طفلتي التي تشاهد هذا الموقف تتشبث بعباءتي وتلتصق بي بخوف، ثم خلعت هذه المرأة حذاءها ـــ أعزكم الله ـــ وبدأت بضرب ابنتها على رأسها بكل قوتها ضربات متوالية حتى إن الغبار الذي كان ملتصقاً به بدأ في التطاير من شدة الضرب كأني بكم تتساءلون وما موقف البنت؟ فأجيبكم والله أنها لم تحرك ساكناً كانت مستسلمة تماماً حتى إني تعجبت كيف لم تشعر بالضربات المتوالية على رأسها، والله لولا أنها كانت واقفة لظننت أنها قد قضت نحبها كانت تقف وقد شبكت كفيها ببعضهما ونظراتها الزائغة تثير الشفقة والأسى، كانت خادمتهما تبذل مجهوداً خارقاً في أن تحول بين الأم وبين ضربها لابنتها بلا جدوى حتى أن الخادمة (أكلت علقة محترمة) في أثناء محاولاتها تلك وقررت أن أتدخل رغم أن المرأة التي تقف أمامي تنتظر دورها أمام الصرّافة نصحتني ألا أفعل (يا الله السلامة) لكني توكلت على الله واقتربت من الأم وحاولت أن أهدئ من روعها وأذكرها بالاستغفار والصلاة على النبي وبعد جهد كبير هدأت رغم أن جسدها كان يرتعش من الغضب والصدمة وأنا لا ألومها فالموقف صعب وفوق احتمالها، وفهمت منها بصعوبة أن الهيئة أمسكت بابنتها وزميلتها مع شابين واعداهما في السوق بغفلة منها (المشكلة أنها هي اللي ضغطت عليّ عشان أوديها السوق اليوم ونمر زميلتها بطريقنا وأنا اللي طلعت مغفلة بالأخير آه يا القهر بس) قالتها بحرقة ثم سحبت ابنتها من يدها وخرجت من السوق، وهي تكاد تترنح من شدة الغضب وقد دعوت الله ألا تكون مصابة بالضغط أو السكر وأن يلطف الله بحالها.
من وحي هذا الموقف يجب أن نعترف بأن المعاكسات أصبحت ظاهرة تستوجب منا أن نعترف بوجودها أولاً ثم نناقش أسبابها ثانياً ثم نوجد الحلول ثالثاً، لا أن ننكر وجودها أو نلقي بأسباب ظهورها على الشباب والفتيات فقط!
فالأم التي لا تنصت لابنتها ولا تشبعها عاطفياً ولا تشاركها أفكارها وهمومها ومشكلاتها ولا تشعرها بقربها منها تتحمّل جزءاً من الأسباب، والأب الذي (يترك الحبل على الغارب) لابنه فلا يشعره بمتابعته وبصداقته وبقربه منه وبضرورة الحفاظ على شرف (بنات الناس)، كما يحافظ على شرف شقيقاته يتحمّل أيضا جزءاً من الأسباب، والهيئة أيضا تتحمّل جزءاً من الأسباب لأنها يجب أن تقترب من الشباب أكثر من ذلك وتمد جسور المودة والنصح باللين والرفق وكسب صداقتهم وثقتهم ومحبتهم.
يجب أن نناقش ظاهرة المعاكسات ونوجد الحلول.
فالخطأ حين يقع فعادة يتحمّل نتيجته شخص واحد، بينما الحقيقة المؤكدة أن هذه النتيجة قد أسهم آخرون في صنعها!