رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التطوع التنموي والحد من الفسادين الإداري والمالي

يقول أحد المشاركين في موقع مشهور وبتصرف مني ''أنه ونظرا لما لوحظ في الآونة الأخيرة من استفحال ظاهرة الفساد بشتى أنواعه وبشكل واضح ودون خوف أو حياء، حيث لوحظ امتلاك الموظفين المسؤولين عن المشاريع والتطوير وإبرام العقود كبارا كانوا أو صغارا لعقارات وأرصدة لا يمكن لهم بحال من الأحوال جمعها من رواتبهم مهما طالت السنوات، وهو ما يحرق دمه كونه هدراً للمال العام الذي يجب أن يوظف لخدمة المواطنين، وأنه مستعد للعمل بشكل تطوعي في هيئة مكافحة الفساد لمحدودية مواردهم البشرية وعظم حجم المهمة''.
ولقد ذكرني صاحب هذه المقولة برواية لأحد الأصدقاء الذي قامت إحدى الجهات الخدمية بالحفر أمام منزله لإيصال خدمة تندرج تحت بند خدمات البنى العلوية ثم لم تقم بإعادة سفلتة الشارع بطريقة سليمة حيث أصبح مكان الحفر يرواح بين الحفرة والمطب فتارة تكون السفلتة دون مستوى الشارع وأخرى أعلى من مستواه ما حدا به أن يخاطب أحد العاملين في إعادة السفلتة عن ذلك، والذي قال له بصريح العبارة إن العمل غير مطابق لأصول المصنعية والمهنة وإن المشرفين على المشروع يحضرون لدى مدير الشركة أكثر من مراقبة التنفيذ وإنهم لا مانع لديهم من تسليم العمل بهذه الطريقة البائسة.
الفساد كالسرطان ما إن يتشكل في جسد أي جهاز أو مؤسسة أو منشأة بأي مستوى من مستوياته حتى ينتشر شيئا فشيئا ليقضي عليها أو ليحد من فاعليتها وكفاءتها بشكل كبير ما لم يتم التصدي له بالتدخل الجراحي أو بالعلاج الإشعاعي أو الكيماوي والمتمثل في حالة الفساد بالرقابة والمساءلة، والمساءلة هنا تشتمل حالات الإخفاق في تنفيذ الخطط والمشاريع وفق الجداول الزمنية.
من قصص القرآن ومن أحاديث المصطفى ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ومما علمتنا الحياة هناك أفراد يصبح المال همهم الأول وغايتهم الأخيرة ومهما أوتوا منه يتمنون أن يضاعفوه ''لو كان له واد من ذهب لتمنى واديين'' وفي سبيل ذلك ولتحقيق مصالحهم الشخصية يدوسون على المصالح العامة مهما كانت حيوية للدولة وللمواطن، والأمثلة كثيرة وآثار الطمع والجشع واضحة للعيان، وهؤلاء لا يمكن أن يرتدعوا ما لم يكن هناك مساءلة جادة وقضاء عادل وتنفيذ صارم للأحكام القضائية، وإلا فإن المال السائب لا يشجع على السرقة بل يعلم على السرقة كما يقول المثل.
مساءلة المسؤولين والموظفين التي تقوم على الرقابة التي تشتمل على الرصد والضبط وتقوم على الادعاء والتقاضي والتنفيذ الصارم للأحكام القضائية تلعب دورا وقائيا كبيرا للحد من الفسادين الإداري والمالي من جهة كما تلعب دوراً كبيراً في معاقبة كل من تسول له نفسه تحقيق مصالحه الخاصة بطرق غير مشروعة على حساب الصالح العام، وبكل تأكيد سينعكس ذلك إيجابا على فاعلية وكفاءة الموارد البشرية والمالية والمادية والتعاونية المتاحة للأجهزة والمؤسسات والمنشآت الحكومية.
الجهات الرقابية بأشكالها وصورها كافة سواء تلك التي تراقب عمل المسؤولين والموظفين أو تلك التي تراقب أعمال القطاع الخاص تشتكي من قلة الكوادر البشرية ومن انتشار مفاهيم اجتماعية خاطئة تمنع معاقبة الفاسدين حتى وإن تم رصدهم وضبطهم حيث يكون في أحسن الأحوال نقلهم من موقع إلى آخر أو ما شابه ذلك سوى أولئك الذين لا حظ لهم بمكانة اجتماعية أو واسطة تنقذهم كأمثالهم، وهذا عذر مقبول فيما مضى قبل الثورة المعلوماتية وانتشار الإنترنت السريع ومواقع وأدوات التواصل الاجتماعي، حيث تغيرت موازين القوى لصالح الرأي العام أو المستهلك والذي بات قادرا على صناعة المحتوى ونشره أو بثه بسرعة هائلة ليتناقله الآخرون ما يجعل الفاسدين في حرج كبير وتحت مجهر الرأي العام.
أيضا هذا العذر غير مقبول أيضا في ظل انتشار مفهوم التطوع لخدمة المجتمع لدى كثير من الشباب الذين يرون في العمل التطوعي ركيزة أساسية في بناء المجتمع ونشر التماسك الاجتماعي بين المواطنين، ويرغبون التطوع في أنشطة اجتماعية أو تعليمية أو تنموية تكمل في مجملها جهود القطاعين الحكومي والخاص لتحقيق الأهداف التنموية والتصدي للقضايا والمشاكل، وبكل تأكيد هناك الكثير من الشباب يرغبون في التطوع مع هيئة مكافحة الفساد لرصد وضبط حالات الفساد وتوفير الأدلة الدامغة لحدوثها وتوثيق آثارها السلبية على الوطن والمواطن والتنمية الشاملة والمستدامة والمتوازنة في البلاد.
توفر برمجيات صناعة المحتوى وانتشار الإنترنت السريع وشيوع استخدام أدوات التواصل الاجتماعي تشكل فرصا حقيقية للمسؤولين المخلصين المتحلين بصفة القوة والأمانة لرفع فاعلية الأجهزة والمؤسسات وكفاءة مواردها كما تشكل تهديدا لأولئك المسؤولين الفاسدين، وأفراد المجتمع يتطلعون لقيادات تتحول من لغة الأعذار والردود الدفاعية لما تنشره مواقع التواصل الاجتماعي من حالات فساد إلى لغة الاستثمار لهذا الرصد لرفع الفاعلية والكفاءة، وبالتالي المخرجات ذات الأثر الإيجابي في مستوى حياة المواطن ورفاهيته.
توجيه طاقات المتطوعين في جماعات تطوعية أو أفرادا واستثمارها بشكل إيجابي لصالح فاعلية وكفاءة الأجهزة والمؤسسات أمر يتطلع أفراد المجتمع إلى تحقيقه في أسرع وقت بدل ترك هذه الجهود عشوائية وغير منظمة ودون معايير وضوابط ما يجعلها مثيرة للسخط والحنق أكثر من كونها محفزة وداعمة للانضباط والأمانة والعمل الجاد وفق الجدارات سيكون له أكبر الأثر على تسارع وتيرة التنمية في البلاد.
ولا شك أن توجيه الجهود الشبابية التطوعية وتنظيمها وفق معايير سلمية لتعمل في خدمة هيئة مكافحة الفساد سيلعب دوراً كبيرا ً بالحد من الفسادين الإداري والمالي أولا وضبط حالات الفساد وإحالتها للجهات القضائية ومعاقبتها وفق النظام ثانيا، وكل ذلك سينعكس بالمحصلة على جودة حياة المواطن وقدرة على المساهمة في التنمية وفقاً لجدارته لا عائلته أو قبيلته أو منطقته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي