رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


مشاريع احتجاز الكربون .. ما المطلوب للنهوض بها؟ (2 من 2)

في الحلقة السابقة أشرنا إلى أن تطبيق تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه على نطاق واسع تجابهها تحديات كبيرة وتكافح لتحقيق تقدم كبير. لكن لأنصار هذه التقنية لا يعني هذا بالطبع أن جميع الجهود والأبحاث قد ذهبت هدرا، حيث لا يزال هناك كثير من التطبيقات الصناعية لتقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه.
في هذا الجزء سنحاول إلقاء الضوء على ما هو مطلوب للنهوض وإعادة هذه التقنية إلى مسارها الصحيح، مما يسمح باستمرار استخدام الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة، وفي الوقت نفسه تحقيق أهداف الحد من الانبعاثات.
المشكلة تتلخص في الأساس في التكلفة العالية لمشاريع احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه، حيث إن إضافة هذه التقنية إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تعمل بالفحم يضاعف التكاليف الرأسمالية للمشروع ويرفع أيضا من استهلاك الوقود بنحو 25 في المائة. مع الاستمرار في تطوير التكنولوجيا والارتقاء بها، بالطبع سيمكن خفض هذه التكاليف، لكن الحصول على الاستثمارات المطلوبة لإحداث هذه الطفرة تمثل تحديا كبيرا الآن في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي يعانيها الاقتصاد العالمي وخصوصا دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا.
كما أن عدم وجود دافع قوي لسعر تداول انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون يشكل عائقا كبيرا لنشر تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه من قبل قطاع توليد الطاقة. على سبيل المثال سعر تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي لا يتجاوز سبعة يوروهات للطن المتري الواحد (نحو تسعة دولارات للطن المتري الواحد) هذا السعر أقل بكثير من السعر المطلوب المقدر بنحو 60 دولارا للطن المتري الواحد اللازم لجعل تقنية الاحتجاز والتخزين اقتصادية. وفقا لبعض التقديرات بالإمكان خفض هذه التكاليف فقط إلى 35 دولارا للطن المتري الواحد، إذا ما تم توفير الاستثمارات اللازمة لخفض التكاليف وتحسين الكفاءة.
إن عدم وجود سياسة مناخية واضحة المعالم وراسخة في الاتحاد الأوروبي لما بعد عام 2020 يعد أحد العوامل التي تقوض أسعار تداول الانبعاثات، عدم اليقين هذا يعد أيضا مشكلة بالنسبة لمشاريع الاحتجاز والتخزين نفسها. حيث إن ليس من المتوقع أن يستثمر القطاع الخاص في هذه التكنولوجيا بصورة كبيرة من دون أهداف سياسية واضحة المعالم على المدى الطويل. في هذا الجانب تحذر شركات توليد الطاقة من أن هذه التقنية من دون زيادة التمويل الحكومي ستبقى تراوح على نطاق ضيق وريادي. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وأوروبا قامت بتخصيص بعض التمويل في الماضي لمشاريع الاحتجاز والتخزين، إلا أن هذا التمويل يعد ضئيلا جدا في مواجهة المخاطر الكبيرة التي تواجه تطبيق هذه التقنية على نطاق كبير. ما زاد الأمور تعقيدا، تلك التقارير التي نشرت أخيرا في الولايات المتحدة، والتي تشير إلى أن ضخ غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى أعماق الأرض يمكن أن يزيد من مخاطر الزلازل.
مع عدم وجود احتمالية من زيادة أسعار تداول انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون بصورة كبيرة ولا من ضخ أموال حكومية ضخمة في الولايات المتحدة أو أوروبا لدعم هذه التقنية، فإن أفضل أمل لتقنية الاحتجاز يكمن في استخدام غاز ثاني أوكسيد الكربون في مجالات صناعية وتطبيقات أخرى. في الوقت الحاضر، لا توجد مشاريع لتطبيق تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه على نطاق كبير يشمل محطات توليد الطاقة الكهربائية. بدلا من ذلك، معظم المشاريع القائمة حاليا على نطاق كبير لاحتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون تعمل على استغلال غاز ثاني أوكسيد الكربون في مجالات مختلفة للتعويض عن عدم وجود موارد دعم أخرى، من أبرزها ومعظمها في مشاريع الاستخلاص المعزز للنفط أو ما يعرف بـ EOR، كما يمكن أن يستخدم أيضا في مشاريع الاستخلاص المعزز للغاز، واستخلاص الميثان من طبقات الفحم الحجري، أو في المستقبل في عمليات إنتاج هيدرات الميثان. الاستخدامات الممكنة لغاز ثاني أوكسيد الكربون آخذة في النمو. في الولايات المتحدة، أول وحدة لاحتجاز الكربون واستغلاله على نطاق تجاري تتضمن وحدة لإعادة تدوير غاز ثاني أوكسيد الكربون من مصنع للأسمنت. في ألمانيا ستقوم شركة باير الكيماوية بإنتاج مادة البولي يوريثين بالاعتماد على غاز ثاني أوكسيد الكربون المحتجز من محطة لتوليد الطاقة الكهربائية، حيث إن الوحدات الريادية لهذا المشروع تعمل منذ عام 2011 والإنتاج التجاري من المقرر أن يبدأ في عام 2015.
كما تقوم وزارة الطاقة في الولايات المتحدة بتوفير دعم لعدد من مشاريع احتجاز الكربون واستغلاله ضمن حزمة الحوافز الاقتصادية عام 2009. أحد هذه المشاريع سيقوم بتحويل غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى حامض الهيدروكلوريك، الذي سيستخدم في بعض تطبيقات النفط والغاز، وخط آخر يقوم بتحويله إلى بيكربونات الصوديوم لاستخدامه في التغذية الحيوانية. في الوقت الحاضر تتطلع الصين أيضا لاستخدام غاز ثاني أوكسيد الكربون في مجموعة من التطبيقات الصناعية.
هناك عملية جديدة في مراحل البحث والتطوير حاليا لإنتاج المغنيسيوم وكربونات الكالسيوم من غاز ثاني أوكسيد الكربون، وهي مركبات صلبة يمكن أن تستخدم في صناعة البناء والتشييد أو يمكن تخزينها بسهولة أكثر من غاز ثاني أوكسيد الكربون. هذه العملية مشابهة لعملية التكون الطبيعي للحجر الجيري والصخور الرسوبية الأخرى المستخدمة في بناء اليوم. في هذا الجانب تشير ورقة بحثية نرويجية صدرت في عام 2011، إلى أن إنتاج 10 في المائة فقط من مواد البناء باستخدام غاز ثاني أوكسيد الكربون، سيسهم بتوفير 1.6 مليار طن من الانبعاثات سنويا. بما أن مادة الكربونات تعد مستقرة وسهلة التداول نسبيا مقارنة بغاز ثاني أوكسيد الكربون، يرى عديد من المختصين أن هذه الطريقة تعد أفضل وآمن وسيلة للتخلص من الكميات الكبيرة من غاز ثاني أوكسيد الكربون.
في الوقت الحاضر يرى البعض أن عمليات تحويل غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى مواد كيماوية لاستخدمها كمواد أولية في تطبيقات مثل صناعة الأسمدة والمبيدات الحشرية والبوليمرات، يمكن أن يسهم في توفير نحو 300 مليون طن في السنة من الانبعاثات، هذا الرقم أقل من 1 في المائة من الانبعاثات الناتجة من حرق الوقود الأحفوري في عام 2011. لكن إضافة إلى ذلك يمكن تحويل غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى وقود لقطاع النقل، مثل حامض الفورميك (هو ناقل مناسب للهيدروجين)، الميثانول أو البنزين الاصطناعي.
في مجال آخر ذي صلة، يتطلع الباحثون إلى استخدام غاز ثاني أوكسيد الكربون المحتجز بتراكيز عالية من محطات توليد الطاقة أو المصانع الأخرى، لإنتاج الوقود الحيوي Biofuel من خلال عملية التركيب الضوئي للطحالب، وذلك بتحفيز عملية التركيب الضوئي للطحالب لإنتاج مركبات معقدة من غاز ثاني أوكسيد الكربون والماء.
إن مشاريع احتجاز الكربون واستغلاله لن تحل وحدها مشكلة انبعاثات الكربون، حيث إن حجم الانبعاثات يفوق أي تطبيق صناعي في هذا المجال يمكن تصوره. في هذا الجانب تشير بعض التقديرات إلى أن تطبيق حزمة من مشاريع احتجاز الكربون واستغلاله لديها القدرة على خفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون العالمية بنحو أربعة مليارات طن في السنة، أو نحو 10 في المائة من مجموع الانبعاثات. في الوقت نفسه قد يوفر هذا التوجه للصناعة التمويل اللازم لبناء المنشأة، تحسين تقنيات الاحتجاز وخفض التكاليف.
في المقابل هناك خبراء آخرون أكثر حذرا في هذا الجانب، حيث يصرون على أن هناك الآن حاجة إلى أسعار تداول انبعاثات عالية لتمويل مزيد من البحث والتطوير والسماح ببناء مزيد من المشاريع للنهوض بهذه التقنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي