غياب الإنتاجية في ظل المادة الرابعة

لا يتفق الاقتصاديون على أمور كثيرة، لكنهم يتفقون على مركزية الإنتاجية، حيث إن دورها في النمو الاقتصادي يماثل دور كفاءة المحرّك في السيارة. لذلك جاء تقرير صندوق النقد الدولي - المادة الرابعة - عن الاقتصاد السعودي مخيباً للآمال في أهم النواحي، ولو أنه ذكر بعض الإيجابيات. عرّج وزير المالية في حديثه مع ''العربية'' عن الإنتاجية في التقرير؛ لكنه لم يعطها حقها.
حتى لو كان التقرير ناصع البياض حول أداء الاقتصاد السعودي عدا الإنتاجية، فهذا يكفي أن نعترف باستفحال الإشكالية الاقتصادية. الكل يعرف ملاءة المملكة المالية، لكن هذا يختلف جذرياً عن الحالة الاقتصادية.
موضوعياً، أتى التقرير شاملاً ومكملاً لما ورد ذكره في تقرير 2011 حين ذكر أن تنظيم المالية العامة وضعف الإنتاجية والخلل الدائم في سياسة الدعم وضعف السياسة العمالية عوامل مؤثرة تجتمع في خنق الإنتاجية وتكريس نموذج اقتصادي تكرّر نقده دون رغبة واضحة في التعديل. تمنع دبلوماسية البنك الدولي من وضع النقاط على الحروف. إنصافاً لا بد من ذكر بعض الإيجابيات، فمثلاً سياسة سعر الصرف وكما ذكر وزير المالية مناسبة في الوقت الحاضر (راجع ''الاقتصادية'' عدد 6287 ،28/12/2010 حول سعر الصرف للكاتب)، كما نوّه التقرير بأن المملكة استطاعت تفادي الأزمة المالية العالمية بسبب سياسة التحفيز المالي وأوضاع النفط الملائمة وقلة الدين. أيضا مما ذكر وزير المالية أن المالية العامة يحكمها تذبذب أسعار النفط، وهذا صحيح، لكن هناك حلولاً عملية مثل التحفظ في الميزانية والإعلان عن ميزانية عامين أو ثلاثة متتالية، خاصة أن هناك رصيداً مؤثراً وفرصة للتمويل (كما أخذت به بعض المؤسسات الحكومية مثل الطيران المدني)؛ لكن الإشكالية في النمو الحقيقي (من خلال تفعيل الإنتاجية)، مما يتطلب نموذجاً آخر.
لا أعرف مَن المسؤول عن الإنتاجية، فهل هي وزارة الاقتصاد والتخطيط التي يُفترض أن يكون دورها تخطيطياً وإرشادياً أم وزارة المالية التي تمتلك الأدوات الفعلية المحدودة لتحفيز وتنشيط الفعاليات الاقتصادية الملائمة في أوقات ومراحل محددة لتفعيل النمو الاقتصادي الحقيقي؟ فالنمو الحقيقي لا يزال قريباً إن لم يكن أقل من النمو السكاني، ما يجعل الاقتصاد فعلياً في حالة سكون إن لم تكن تراجعاً. ولذلك هناك اتفاق في مدى الحاجة إلى زيادة الإنتاجية بالضبط لتقليل الاعتماد على سلعة متذبذبة، خاصة أن بعض التقارير النفطية يشير إلى احتمال انخفاض الأسعار بعد سنوات قليلة بعد أن زادت الأسعار في السنوات الثماني الماضية.
لن نستطيع إعطاء التقرير حقه في هذا العمود، لكنني رأيت أن التركيز على الإنتاجية عامل غائب حاضر، لذلك فإن تفعيل الإنتاجية يتطلب تضافر الجهود في أكثر من وزارة، لكن حتى هذه الجهود لن تغير الوضع دون إعادة النظر في النموذج الاقتصادي والابتعاد عن المكابرة في الرهان على وضع مالي جيد وكأنه بديل عن الإنتاجية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي