رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل استفاد الموظفون من تحويل رواتبهم للمصارف؟

لقد كان من المقرر أن أكمّل سلسلة موضوع ترهل الجامعات التي بدأت أول حلقاتها قبل أسبوعين إلا أنني آثرت تأجيل السلسلة الأخيرة حتى لا يمل القارئ ويكون هناك مساحة للأخذ والعطاء وتهذيب الأفكار، والسبب الآخر لقطع السلسلة التعقيب الذي تفضل به الأستاذ الكبير طلعت زكي حافظ على مقال سابق لي في هذه الصحيفة الغراء بعنوان: ''تحويل الرواتب إلكترونيا والتورط في القروض''، حيث بيّن أخي الأستاذ طلعت عدم موافقته على كثير مما طرحت وأهمها إنكاره الآثار السلبية التي تلاحق موظفي الدولة والقطاع الخاص نتيجة تحويل رواتبهم للمصارف. وحيث إنه من الصعب استعراض جميع النقاط التي أثارها الأستاذ طلعت، لذا سيكون ردي مقتصرا على النقاط الجوهرية ونقاط الاختلاف فحسب.
لقد ركز أخي طلعت جل رده على الفوائد العظيمة التي تجنيها المصارف من الصيرفة الإلكترونية والتطور المذهل في هذا المجال، كما عرض بعض المنافع التي استفاد منها المودعون، ولكنه أهمل التعليق على لب مقالي وهي الأضرار التي يدفع ثمنها موظفو الدولة وقطاع الأعمال نتيجة تحويل رواتبهم إلكترونيا إلى حساباتهم في المصارف. لذا كان لزاما عليّ أن أبين وجهة نظري بطريقة تليق بحجم الأستاذ طلعت، فلو كان شخصا آخر لما كلفت نفسي عناء الكتابة عن الموضوع مرة أخرى. كما أنني أقدم اعتذاري عن التأخر في الرد، فقد نشر مقال أخي طلعت إبان تمتعي بإجازتي السنوية ولم أر التعقيب إلا متأخرا.
أريد أن أقول للأستاذ طلعت: إنني لست ضد استخدام التقنية في الصيرفة وتنظيم الأمور المالية وعمل المصارف والمؤسسات المالية، فقد لمستها وأعرفها جيدا ومن ينادي بعدم الاستفادة من التقنية في الأعمال المصرفية لا يفقه من التعاملات الإدارية والمالية شيئا مذكورا. فتزاوج التقنية مع الصيرفة (الصيرفة الإلكترونية) واقع نلمسه، وقد قطعت مصارفنا شوطا نفاخر به وسهلت على المقترضين والمودعين وكل من له علاقة بالنواحي المصرفية عملياتهم المالية حتى أصبحت بعض مصارفنا تنافس أعرق المصارف الدولية في هذا المجال، ولا أريد أن أخصص المقال لعرض إنجازات المصارف في تطويع التقنية فجميعنا نلاحظ ذلك ونفاخر به وأتفق مع زميلي الأستاذ طلعت في كل ما ذهب إليه بهذا الخصوص.
إلا أنه لم يكن بودي أن يوجه الأستاذ طلعت الموضوع ويسطح الأمر بهذا الشكل ففكرة مقالي وطريقة طرحي لا تتعارض مع الاستثمار في الصيرفة الإلكترونية وتنظيم الأمور المالية. فأنا لم أطالب البتة أن تبقى مصارفنا تعمل بالطريقة التقليدية، ولم أطالب بأن تبقى المؤسسات الحكومية وغير الحكومية تصرف رواتب موظفيها نقدا يدا بيد، كما كانت تفعل ذلك في السابق. أنا لم أناد بهذا البتة، ولكني أنادي بحماية المواطنين فبعض المصارف تفصّل برامجها التمويلية بما يتفق ورواتب الموظفين بعد أن ضمنت حقوقها وعدم تعثر برامجها، حيث أصبحت المصارف تشترط على الموظف الذي يرغب في قرض أن يودع راتبه في المصرف، وبهذا فإن المصرف قد استحل نصيبه من راتب الموظف لسنوات، بل لعقود ولن يفلت من هذا الرباط مهما حاول الفكاك، لأن الأمر قد تم بموافقة من مقر عمله وبمباركة من مؤسسة النقد.
تتذمر المؤسسات المالية الدولية والشركات الائتمانية العالمية من تعاملات السعوديين المالية وتنتقد أداءهم. فقد نشرت ''الاقتصادية'' الجمعة الماضية تصريح شركة ماستركارد للبطاقات الائتمانية المتضمن أن 90 في المائة من تعاملات السعوديين المالية تتم عن طريق النقد، وهذا أمر يغيظها كثيرا، فقد فوت عليها فرصة الاستثمار في السوق السعودية وهي ترى أن المواطنين السعوديين أكثر عقلانية من غيرهم من شعوب المنطقة، فلم يتورطوا في القروض والائتمان، فجل تعاملاتهم المالية ومشترياتهم الشخصية تتم عن طريق النقد.
ولكنني أرى أن هذا استنتاج خاطئ ويدل على أن المؤسسات المالية الدولية لم تفهم طريقة السعوديين في إدارة أموالهم الشخصية، ولم تضع يدها على السر بعد. فالسعوديون من أكثر الشعوب تورطا في الديون، ولكن لصالح المصارف المحلية دون غيرها لدرجة أن المؤسسات المالية الدولية لم تجد لها موطئ قدم ولو أرادت (المؤسسات المالية الدولية) دخول السوق السعودية فلن تتمكن من هذا مباشرة، بل عن طريق أحد المصارف المحلية والذي زاد من شهية المؤسسات المالية الدولية في دخول السوق السعودية هو تدني نسبة المتعثرات مقارنة ببقية دول الخليج، والسبب في تدني المتعثرات أن المصارف المحلية قد ضمنت حقوقها مسبقا فكيف يتعثر المواطن في السداد إذا كان عليه أن يودع راتبه في المصرف إذا أراد الحصول على قرض؟ وليس للموظف الحق في التصرف في راتبه حتى يحصل المصرف على قسطه ولو لم يبق للموظف دانق يملكه.
أريد أن أبين لأخي طلعت أن ما أرمي إليه هو ألا يتم استغلال الناس باسم التقنية والتطور المصرفي واستثمار جهلهم بالنواحي المالية، فإيداع رواتب موظفي الدولة في المصارف لا يمثل معضلة، ولكن المصيبة في استغلالها، حيث تقوم المصارف بتفصيل برامجها التمويلية بناء على ما يردها من بيانات مالية عن كل عميل. فأصبحت البيانات المالية والمعلومات الشخصية عن كل مواطن واضحة أمام المصارف، وقد زاد من هذا جهل كثير من المواطنين بطريقة عمل المصارف ونقص ثقافتهم المالية وقدرتهم التحليلية وهذا لا يحتاج إلى إثبات، فالضحايا أمامنا بعشرات الآلاف فلا يخلو مواطن من قرض استهلاكي أو تمويل ربوي يلازمه حتى يواري الثرى وهذا الشيء لم نكن نلاحظه أبان كنا نتقاضى رواتب مباشرة من جهات أعمالنا.
أتمنى أن تكون الفكرة قد اتضحت وحتى نخرج (الأستاذ طلعت وأنا) من هذا الجدال نريد أن نتحاكم إلى الناس ونسأل موظفي الدولة والقطاع الخاص هل هم بالفعل استفادوا من تحويل راتبهم إلى المصارف؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي