مقترحات لمعالجة ترهل الجامعات (2)
بدأ قبل عدة أسابيع موضوع الترهل الإداري في الجامعات وفي الأسبوع الماضي قمت بضم شتات الموضوعات المتناثرة لربط الأفكار ببعضها فقمت بتعريف الترهل الإداري، وما أعراضه وطريقة معالجته. وقد كان العرض منصبا على الكليات التقليدية للجامعات وقد وعدت أن أخصص مقالا مستقلا عن الكليات الدخيلة على الجامعات ككليات المجتمع، وكليات البنات، وكليات المعلمين، وما في حكمها. وفي هذا المقال سأقوم بعرض الجانب المتعلق بكليات المجتمع، ولكن قبل الخوض فيه أريد أن أضيف بعض المقترحات التي لم أتمكن من تغطيتها في المقال السابق.
يجب أن نعرف أن العدد الهائل من أعضاء هيئة التدريس قد يسبب الترهل، وأن جودة التعليم الجامعي لا تمثل ألبتة الأعداد الهائلة من أعضاء هيئة التدريس، بل مدى كفاءتهم، لذا ينبغي الحرص في اختيارهم وتسريح غير الجادين منهم والاهتمام بتدريبهم، وتثقيفهم، وتنمية قدراتهم، وتذكيرهم بين الوقت والآخر بأخلاقيات المهنة وعظم المسؤولية، فبعض أعضاء هيئة التدريس فقدوا الكثير من المهارات والأعراف الجامعية خصوصا في مجال التدريس والبحث العلمي نتيجة انشغالهم بالنواحي الإدارية، والمكتبية، والقيادية فهؤلاء يحتاجون إلى إعادة صقل مهاراتهم ورفع كفاءتهم.
كما يجب محاربة الترهل بتخفيض قبول الطلاب وليس التوسع فيه، لذا يجب عدم الاستعراض في وسائل الإعلام بتحقيق نسبة قبول عالية، وأن الجامعة قبلت هذا العام أكثر من طاقاتها الاستيعابية، فهذا جهل بالمهمة الحقيقية للجامعات، فالتعليم الجامعي للصفوة والدراسات العليا لصفوة الصفوة وليس مهمة الجامعات إرضاء المجتمع أو أي جهة أخرى على حساب رسالتها ومهمتها الأساسية، وليس من المعقول أن كل من حصل على الثانوية العامة يجب أن يدخل الجامعة.
ولمحاربة الترهل أيضا ينبغي تقليص أعداد الموظفين بقدر الإمكان خصوصا غير الأكفاء الذين يمثلون عبئا على الجامعة في انطلاقتها والوصول لأهدافها، ولكن وفي الوقت نفسه يجب تنمية البقية وإعدادهم والاهتمام كثيرا بهم. فنلاحظ أن الجامعات تهتم نسبيا بأعضاء هيئة التدريس والطلاب وتنسى جهلا أو عمدا موظفيها الأفذاذ. لذا ينبغي تحفيز الموظفين على حضور دورات داخلية وخارجية في مجال أعمالهم ولا يمنعوا من تمكينهم من إكمال دراستهم كنوع من الحوافز، فبعض موظفي الجامعات لديهم طاقات وقدرات تؤهلهم من الالتحاق ببرامج متقدمة، فليمكنوا من الابتعاث ولو بأعداد بسيطة، فليس صحيحا أن الابتعاث مقتصرا على أعضاء هيئة التدريس، ولكن يجب أن يكون للموظفين منه نصيب.
وقبل أن أختم هذه النقطة أريد أن أبين أن الطريق للوصول إلى جامعة رشيقة قوامه في التركيز على الكيفية والنوعية وليس بالأعداد الغفيرة من الطلاب والموظفين وأعضاء هيئة التدريس.
نعود للكليات الدخيلة على الجامعات والطريقة التي يمكن اتباعها لتخليص الجامعات من الترهل. بالنسبة إلى كليات المجتمع التي ابتلينا بها والتي تنظر إليها الجامعات وكأنها الأبناء غير الشرعيين لها لأن أهدافها ورسالاتها وتوجهاتها تختلف عن أهداف ورسائل الجامعات وهي أقرب ما تكون إلى معاهد تدريب تربط برامجها مباشرة بسوق العمل وحاجات قطاعات التوظيف بخلاف الجامعات التي يكون من أبرز أهدافها خدمة المعرفة والبحث العلمي. إن إلحاق كليات المجتمع بالجامعات أضرت كثيرا بمسيرة التعليم العالي وأصابت الجامعات في مقتل. فقد تأسست كليات المجتمع في بلادنا على غرار كليات المجتمع المنتشرة في الولايات الأمريكية التي يطلق عليها Community Collage والتي تقدم برامج قصيرة نسبيا للذين يرغبون في الحصول على وظائف لا تحتاج إلى قدر عال من الكم المعرفي. ولكن إسهاماتها في خدمة المواطنين وقطاع الأعمال في بلادنا كانت دون الحد المأمول، بل إنها أضرت بمستقبل أبنائنا وأعاقت الكثير منهم، وقد كتبت مقالا خاصا عن "الدبلومات"التي تمنحها بعض مؤسساتنا التعليمية، ومنها كليات المجتمع، وحذرت الشباب من الولوج إليها، وأن من الخير لهم أن يبقوا بالثانوية العامة على أن يعوقوا حياتهم بـ"دبلومات" من هذه الكليات. وكليات المجتمع لم تعق أبناءنا فحسب، بل ساهمت بشكل مباشر في إصابة الجامعات بالترهل، لذا يجب سلخ كليات المجتمع عن الجامعات ووضعها تحت مظلة هيئة مستقلة وتهذيب برامجها عن طريق ربطها مباشرة بسوق العمل، فهذا النوع من التعليم يمتلك مرونة عالية فيمكن تغيير برامجها سنويا وإلغاء أقسام واستحداث أخرى خلال فترة قصير بخلاف الكليات التقليدية للجامعات التي يجب أن تبقى برامجها لسنوات طويلة لأنها غير مترابطة مباشرة بسوق العمل بل لخدمة العلم والمعرفة. ومخرجات كليات المجتمع تشابه إلى حد كبير مخرجات كليات التقنية التي ساهمت هذه الأخيرة أيضا في ضياع مستقبل مئات الآلاف من الطلاب وجعلتهم عاطلين، بل يائسين بائسين حتى أصبح من الأفضل للطالب أن يبقى بين أهله على أن يأتي بشهادة من كلية تقنية التي تبرأت منهم الشركات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والجامعات السعودية وغير السعودية وهي بمثابة شهادة عدم كفاءة، كما يجوز للبعض تسميتها فالكل ينظر لها بدونية.
هذه بعض المقترحات لمعالجة ترهل الجامعات، وقد كان هذا المقال مقتصراً على كليات المجتمع وبقى لنا كليات البنات وكليات المعلمين التي سنؤجل التفصيل فيها في مقال قادم ــ إن شاء الله.