نحو استثمار أفضل لمرحلة «رياض الأطفال» (1 من 2)
أصبحنا نسمع ونقرأ عن تطورات في كثير من الجهات بأن الدراسات العلمية هي أساس التوجه والتطوير. هذا إن كان حقيقيا فعلا فهو يجعلنا نزداد فخرا بأن مسيرة التنمية لم تعد مجرد تعبير يستخدم لتغليف مجمل الحركة التطويرية التنموية، إنما تقعيد لأنظمة وتأسيس لمنهج يمهد لتنمية مستدامة. من هنا نستطيع القول إن عام 2020 سيكون هدفا لتحقيق الكثير من الأماني التي كانت نظرية فدخلت معترك العمل وبدأت ترفع مكانتنا بتحقيق تنمية شاملة بمؤشرات حقيقية تدل على جدية التوجه. ما نأمله هو أن يكون التقدم مستمرا حتى لو أننا بدأنا متأخرين أو تعثرنا في جانب أو مجال.
في العام الماضي كثر الحديث عن الاهتمام بالتنمية البشرية التي تعتبر الجزء المهم من التنمية الاقتصادية من التنمية الشاملة. أحد الجوانب كانت الاهتمام بمرحلة رياض الأطفال وتوجه وزارة التربية والتعليم لنشر ثقافة في المجتمع تكرس لدعم هذه المرحلة وتؤدي في النهاية إلى إمكانية الوصول إلى قرار إلزامية إلحاق الأطفال بها قبل قبولهم في المرحلة الابتدائية. واقعيا القرار الملكي الذي صدر العام الماضي (2011) القاضي بالتوسع التدريجي في إنشاء رياض للأطفال وفصل تلك المرحلة بمبانيها عن التعليم العام، وعد بأن هناك مستقبلا ينتظر الأجيال المقبلة مبنيا على الدراسة الشاملة للتعليم وأثره في بناء الأمم. وما تبني وزارة التربية والتعليم لهذه المرحلة من التعليم لرفع مستوى الاهتمام بها وإقرارها (وإن جاء متأخراً) إلا دلالة على أن سياسة التعليم سترى في الأفق القريب الكثير من التطوير. ولأننا عمليون وإيجابيون لا بد أن نقف مع هذا التوجه ففيه خير كثير للمجتمع - بإذن الله.
إن الدعوة إلى الاستثمار في هذه المرحلة من التعليم بالتعاون أو توقيع شراكات مع بعض رجال الأعمال للتسريع في إنجاز ما نتوخى إنجازه فيه مستقبل أجمل لجيل أفضل. هذا التوجه قديم حديث ولكنه يمهد لصناعة فكر وثقافة لأفراد المجتمع الذي يتوقع أن يشكل نسيجا اجتماعيا يتحلى بأخلاقيات وسلوكيات نموذجية. ولكن لا بد لنا أن نتعمق في الدراسات خصوصا دراسات علم النفس وباقي العلوم الاجتماعية المختلفة طبعا. لقد أكدت الدراسات أن هذه المرحلة (1) تصقل العقول، و(2) لها أهمية في مستوى المعرفة المكتسبة، و(3) دور كبير في التهيئة للمرحلة الابتدائية. إضافة إلى ذلك (4) تفادي أي عقبات يمكن أن تؤثر في نشأة الأطفال وتحرف مسار تنشئتهم التنشئة الصالحة. ما لاحظته أن هذه الدراسات التي قامت بها وزارة التربية والتعليم واعتمدت عليها في التحضير لحملة الاهتمام بمرحلة ما قبل التعليم الابتدائي (رياض الأطفال) لم تنشر أو أشير إليها واكتفت الإدارة المعنية بأنها ''وجدت'' وأن الوزارة ''توجهت'' وفي ''النية'' عمل كذا... إلخ. أما كيف ذلك وما هو مستوى التغطية العلمية للموضوعات فـ''المعنى ما زال في قلب الشاعر''. قد تكون مشكلة إعلام أو متحدث رسمي، ولكن الموقع الإلكتروني وإصدارات الوزارة في هذا المنحى لم تكن مشبعة لشغفنا المعلوماتي وفي رأيي أنها تحتاج تغطية متخصصة ومفيدة علميا وثقافيا وللشرائح كافة. وسواء كان عبر إصدارات أو لقاءات أو نشر إلكتروني فهذا يرجع إلى الجهة المعنية.
لا شك أن الدراسات العلمية المتخصصة العالمية ''وهي منشورة'' تؤكد أن مرحلة الطفولة من أهم الفترات في تكوين شخصية الطفل، وأن الاهتمام بها رعاية للطفولة وعلى مدار المراحل الدراسية التالية. ما ''لم ينشر'' هو التقارير والدراسات التي تساعد على تبادل المجتمع مع الوزارة (أو حتى في مجالات وجهات أخرى) المعلومات ومن ثم تثري الآراء لتوسيع قاعدة الفائدة وتحسين إجراءات تنفيذ المشروع واقتناص أفضل الفرص للخروج بنتائج إيجابية تغطي النواحي العلمية والاجتماعية (الصحية والبيئية والاقتصادية... إلخ). هنا يطرأ سؤال مهم وهو: ''لماذا لا تنشر الأجهزة التعليمية مسببات ما نخطط له وما نعتمد عليه وما نقوم به لتنوير وتطوير عقول أفراد المجتمع للمشاركة في تحسين المخرجات وهم أبناؤنا؟''، ثم هل توجهنا حقيقي لجذب رؤوس الأموال للبذل في مجالات نحن أحوج إلى نشرها على مستوى المملكة بجودة عالية وتعويضا لما فات من وقت؟ إن الخطط التي تُرسم والقرارات التي تكون في مثل هذه الأهمية في حاجة إلى أن تكون شفافة مع المجتمع ففيهم العالم والقارئ والبسيط ولجميع هؤلاء الحق في المعرفة وإبداء ''الرأي''، لأنه من الممكن أن يضيف ذلك بعدا لأية دراسة فيكون القرار أكثر صلابة ومبنيا على قواعد لها صفة الديمومة لتغطيتها عناصر عدة فتصبح شمولية. بعض الجهات تكتفي بالتصريحات ولكن كل هذه ''أخبار''. إن ما يغذي العقول هو نتائج الدراسات العلمية التي بني عليها القرار. من أهم أسباب التوجه نحو المنهجية العلمية هو مناقشة كيفية تناول المشكلة واستعراض مناطق الضعف والقوة بكل تجرد، فيرفع ذلك المستوى الفكري للفرد فيخرج من بساطته إلى واقعية أكبر ومن سطحيته إلى عمق فكره وتأملاته، ومن ضحالة معلومات إلى غزارة. وللحديث تتمة.