جيل «تويتر» والألعاب الإلكترونية وضرورة استيعابهم
يشتمل مخ الإنسان على مواقع مسؤولة عن السمع والبصر والتفكير والحفظ والتحليل والاتجاهات، وكلما نشط الإنسان في استخدامها نشطت ونمت وازدادت قدراته والعكس صحيح. ويقال إن الطفل إذا لم يتعلم أي لغة خلال السنوات الأربع الأولى من حياته فإنه قد يفقد القدرة على النطق وتعلم اللغات في حين أنه يستطيع أن يتعلم نحو سبع لغات في السنوات الست الأولى من حياته.
يقول أحد الآباء إنه لا يستطيع مجاراة طفله الصغير في ألعاب البلاي ستيشن، حيث لا يستطيع أن يرى كامل الشاشة كما يراها طفله فهو تعلم التركيز على الحرف ثم الكلمة في السطر في المدرسة في حين اكتسب طفله قدرة المسح الكامل للشاشة والتعامل مع جميع مكوناتها، إضافة للصوت وتحريك أكثر من ثمانية أزرار في يد البلاي ستيشن بمهارة عالية، وهو ما لا يمكنه فعله في حال من الأحوال، إذ إنه فقد هذه القدرات التي منحها الله إياه لأنه لم ينميها في طفولته كما نماها طفله الصغير.
وأقول ما من شك أن أطفالنا وشبابنا الذين ولدوا زمن هذه الألعاب المنمية للقدرات والخيال لديهم قدرات تفوق قدراتنا نحن الجيل الذي لم نحظ بهذه الألعاب ما يعني أن سرعتهم في الحفظ والفهم والتحليل وتحديد الموقف وابتكار الحلول واتخاذ القرار ستكون إن لم تكن أصبحت أكثر من قدراتنا. ولا أخفيكم أن الكثير منا نحن من أبناء العقد الرابع أو الخامس نقف مذهولين عندما نتحاور مع أبناء العقد الأول أو الثاني من أطفال وشباب اليوم من جهة القدرة على الفهم والتحليل والآراء والقرارات.
وإذا كانت هذه الفجوة الكبيرة بيننا وبين الأجيال الجديدة في القدرات والمهارات قد نشأت بيننا بسبب الطفرة التقنية في الألعاب الإلكترونية التي يمضي أبناؤنا ساعات طوال في ممارستها، وهي قدرات لا شك أنها تؤهلهم لإنتاجية عالية بروح ابتكارية ابداعية واسعة الخيال، فما بالنا بالفجوة المعرفية التي نشأت هي الأخرى في زمن قياسي بيننا وبينهم بسبب الثورة الإلكترونية وشبكات الإنترنت، والشبكات الاجتماعية، والمواقع الإلكترونية المتعددة، وسهولة الوصول للمعلومة، ولكم ذهلنا أيضا نحن أبناء العقد الرابع والخامس ولا أقول أبناء العقد السادس والسابع والثامن من حجم المعارف وتنوعها لدى أطفال وشباب اليوم.
يقول لي أحد الآباء أنه تطير عيونه عندما يسمع رأي أبنائه في بعض القضايا والمشكلات والثوابت في اللحظة نفسها التي تطير بها عيون أبنائه مما يسمعون منه ومن والدتهم، فالخلاف الفكري هائل، بل ومخيف خصوصا في المسائل التي يراها هذا الأب من الثوابت، بينما يراها أبناؤه من المتغيرات، وأن ما يراه حراما ما هو إلا حلال، وما يراه نافعا ما هو إلا أمر ضار، وما يراه محرجا ما هو إلا أمر لا شيء فيه بتاتا وهكذا فجوة معرفية مفاهيمية هائلة تتسع شيئاً فشيئاً بمرور الزمن.
يذكرني حديث هذا الأب الذي يؤكد أن الفجوة المعرفية والمفاهيمية بينه وبين أولاده 100 ضعف بينه وبين والده الأمي، أقول يذكرني برأي قرأته لمستشرف للمستقبل يقول إنه ونتيجة لثورة المعلومات والمعرفة والتقنيات الحديثة سيصبح أبناء العشر سنوات في فهم من هم في العقد الثاني، وأبناء العشرينيات سيكونون في فهم من هم في العقد الرابع والخامس من الجيل الحالي. ولقد ذهلت مما كتب ولكنه الواقع اليوم، نعم فنحن نناقش أبناءنا في السنوات العشر نقاش من ينصت ويحلل ويفهم ويدرك ويعترض ويفكر ويقترح. إذ إن وقت الاستماع والموافقة ولى منذ زمن، أما المراهقون وأبناء العشرينيات فعلينا أن نتحدث معهم بمعلومة راسخة وفهم عميق واحترام متبادل ونقاش بمرجعيات مقنعة أو لنصمت.
معظم من كتب عن أثر الإنترنت والبرمجيات الحديثة والألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي قالوا إن وابلاً من التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ستحدث كنتيجة طبيعية لوعي جديد يتشكل مقرونا بالقدرة على التواصل الجمعي الهائل، وإن نزاعاً كبيرا سيكون بين جيل الأقلية القائد من مسؤولين في الدولة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والآباء والأجداد من جهة، وجيل الأكثرية الشبابية من جهة أخرى، والبعض يؤكد أن وابل التغيرات انطلقت مسيرته في جميع المجالات، وما التغيرات السياسية في دول الربيع العربي إلا أحد تمظهراتها، وأن الصراعات الاجتماعية والثقافية في أوجها، وأن إعادة الهيكلة الاقتصادية على مستوى الدول والمؤسسات الاقتصادية ماضية بسرعة هائلة.
وإذا كان الأمر كذلك هل سنترك وابل التغيرات المتوقع أو الذي انطلقت مسيرته كما يقول البعض يحدث بشكل عشوائي دون تخطيط لاستيعابه ودفعه في الاتجاهات الإيجابية المعززة للتنمية بأشكالها كافة.
من وجهة نظري أجزم أن وابل التغيرات يسير بقوة السوق وقوة المنتجات المتاحة وسهولة التواصل الاجتماعي، وأن التخطيط شبه منعدم لاستثمارها في الوقت المناسب، وخصوصا أن المنتجات ذات الأثر البالغ في إحداث التغيير في جميع المجالات متسارعة التغير والتطور، وبالتالي علينا أن نتدارك ذلك.
أتطلع إلى أن يلعب مركز الحوار بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتخطيط والجامعات المنتشرة في جميع أنحاء بلادنا، دورا كبيرا في إعداد تصور عملي لكيفية استيعاب جيل ''تويتر'' والألعاب الإلكترونية وتوجيه طاقاتهم وقدراتهم المتميزة لخدمة الأهداف التنموية في بلادنا التي تنعم بثروة شبابية هائلة تتطلع إلى خدمة البلاد كل بما يحمله من قدرات ومؤهلات.