رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الطاقات المتجددة.. مفتاح استمرار الحضارة الإنسانية

يتجه العالم بقوة في هذه الأيام نحو البحث عن طاقات بديلة، والطاقات البديلة هي بالطبع طاقات بديلة عن الموارد الأحفورية، وبالنسبة للمملكة فإن الطاقات البديلة هي بديلة عن البترول، بمعنى أن العالم يحاول بقوة التخلص من البترول، وهو المورد المالي الرئيس للمملكة.
إذن هذه القضية العالمية تشكل تحدياً صارخاً للاقتصاد السعودي الذي يعتمد على البترول كمورد مهم ورئيس.
وإذا رجعنا إلى الأسباب الكامنة وراء هذا الموقف العالمي من البترول نجد أن العالم يريد أن يتفادى البترول لسببين، السبب الأول أن البترول مادة ناضبة، وأنه في المستقبل القريب أو البعيد سيغيب عن الأسواق رضينا أم أبينا، وإذا شح البترول من الأسواق، فإن الحضارة الحديثة ستصاب بالإعاقة، وربما الإعاقة الكاملة، وهذا بالطبع لن يرضي أي مخلوق عاقل يعيش فوق هذا الكوكب.
أمّا السبب الثاني فهو أن البترول يفرز انبعاثات سامة تتسبب في إلحاق أضرار بالغة بالبيئة، ولقد ثبت أن احتراق البترول أسهم في تكريس وتفجير دفعات الاحتباس الحراري الذي بات يهدد أماكن متعددة من العالم، وليس البترول فقط ما يلحق أضراراً بالبيئة، بل إن الفحم الحجري يتهدد البيئة، فالصين على سبيل المثال تستخدم الفحم الحجري لإنتاج 70 في المائة من حاجتها من الكهرباء، وطبعاً يترتب على هذا الاستهلاك الواسع انبعاث كميات ضخمة من غاز ثاني أكسيد الكربون المضر بالمناخ والمسبب للاحتباس الحراري، وبحسب تقرير رسمي صدر عن الحكومة الهندية فإن حاجة الهند من الكهرباء تتزايد، وستبلغ خمسة أضعاف المعدل الحالي في السنوات القليلة القادمة، وكما هو الحال في الصين فإن الفحم يعتبر المصدر الرئيس للطاقة في الهند، إذ يوجد في الهند أكبر احتياطي للفحم في العالم.
وعلى الرغم من انخفاض أهمية الفحم في جميع بلدان العالم الأخرى إلاّ أن استهلاك الفحم في الصين والهند يتزايد بشكل ملحوظ.
دعونا نؤكد حقيقة لا غبار عليها، وهي أن محاولات خفض استخدام الطاقة هي محاولات يائسة وبائسة، والدول سواء كانت دولاً متقدمة أم دولاً نامية، فإنها تتجه إلى استخدام واسع للكهرباء، ولن تكون هناك حضارة إذا لم تستخدم المدن مزيداً من الكهرباء لتحقيق التنمية والنمو، وإذا سلمنا بهذه الحقيقة، فإن الطلب العالمي على الطاقة في تزايد ولا يمكن إيقافه أو حتى التخفيف منه.
وعلى صعيد أوروبا، فإن كل الدول الأوروبية وكل المنظمات المعنية بالبترول تعمل على التخلص من البترول قدر الإمكان للسببين آنفي الذكر، وهما أن البترول مادة ناضبة، وهو أيضاً مادة تضر بالبيئة ضرراً فادحاً.
ويفيد المشهد الدولي حالياً بأن الأزمات السياسية التي تجتاح العالم كأزمة المفاعل النووي الإيراني أدى إلى حشر البترول في القرارات السياسية، ما حدا بالغرب إلى اتخاذ قرارات بوقف شراء البترول الإيراني عقاباً لإيران على إصرارها في الاستمرار في مشروعها النووي، وطبعاً هذه المقاطعة أدت إلى تورط الاقتصاد العالمي في زيادة متوقعة لأسعار البترول، وهذه الزيادة كما نعرف جميعاً ستدفع أسعار الكثير من السلع والخدمات في الأسواق العالمية إلى الزيادة.
ولذلك فإن الارتفاع المتزايد لأسعار البترول سينعكس على مستوى النمو الاقتصادى العالمي، ما قد يقود إلى أزمة اقتصادية على المستوى العالمي، الأمر الذي سيشكل تهديداً جدياً لكل من الحكومات والمنظمات الدولية.
وإزاء هذا الحشد من مشكلات الطاقة، فإن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أصدر أمراً بتأسيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة.
والواقع أن مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة لم تأت إلاّ بعد دراسات مستفيضة قامت بها جهات حكومية عدة، ففي آب (أغسطس) 2009 رفع مجلس الشورى إلى المقام السامي اقتراحاً بإنشاء هيئة سعودية للطاقة الذرية، وبناء على هذا الاقتراح أمر خادم الحرمين الشريفين بتشكيل لجنة وزارية برئاسة الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية وعضوية وزير المياه والكهرباء ووزير الصحة لوضع تصور شامل عن الاحتياجات الوطنية من المياه والكهرباء في الحال والمستقبل، ومن ناحيتها رفعت وزارة البترول والثروة المعدنية دراسة جاء فيها أن المملكة تشهد نمواً بمعدلات عالية للطلب على الكهرباء والمياه وزيادة ملحوظة في الطلب على الموارد الهيدروكربونية الناضبة التي تستخدم جزءا كبيرا منها في توليد الكهرباء والمياه، ولذلك فإنه من الضروري توفير الموارد الهيدروكربونية واستخدام مصادر بديلة رخيصة الثمن ولا تلحق أضراراً بالبيئة، ونقصد هنا استخدام الطاقة الذرية في إنتاج الكهرباء والمياه، وفي ذلك تتحقق الميزتين الأولى ضمان توفير المياه والكهرباء بصورة دائمة وتوفير جزء كبير من الموارد الهيدروكربونية الموسومة بالنضوب.
وهكذا فإن الأمل معقود على مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة لتحقيق الحلم الكبير الذي نسعى إليه منذ عقود طويلة، وهو إيجاد بدائل للطاقة تحل محل البترول في توفير الإمكانات المالية اللازمة حتى نحافظ على مستوى معدلات نمو الناتج القومي الإجمالي، وبالتالي تستمر المملكة في تنفيذ برامج ومشاريع التنمية المستدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي