رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مقترحات لمعالجة ترهل الجامعات

تطرقت في مقالات عدة سابقة عن مصطلح ''الترهل الإداري'' وكيف يتم الخلط بينه وبين بعض المصطلحات الإدارية الأخرى كالبيروقراطية التي تعد عرضا من أعراضه ونتيجة طبيعية من نتائجه وليس مرادفا له. وقد ناقشت بشيء من التفصيل الترهل في الجامعات بصفتي أحد منسوبيها وأشعر به وأراه وهو يكتم أنفاس بعض الجامعات ويقيد حركتها ويبعدها عن تحقيق أهدافها والمحافظة على رسالتها.
وفي هذا المقال أريد أن أقدم بعض المقترحات التي قد تفيد الجامعات المترهلة في تقليص حجمها، وتشذيب فروعها، وتقليم أجزائها لكي تستعيد رشاقتها وتزيد سرعة انطلاقها، ولكن قبل الولوج إلى ذلك يتعين علينا أن نعيد بعض الأفكار التي سبق أن عرضتها من قبل حتى نربط الموضوع ببعضه ما يسهل علينا فهمه.
الترهل عاهة تصيب المنظمات ومنها الجامعات نتيجة ضخامة حجمها وهو السبب الرئيس في تفشي أوبئة إدارية وتنظيمية عدة مثل انتشار الفساد بكل أنواعه، وبطء الإجراءات، وصعوبة تدفق البيانات من أعلى الهرم التنظيمي إلى قاعدته وبالعكس نتيجة طول خطوط الاتصال وصعوبة تبادل المعلومات بين الإدارات في المستوى الإداري الواحد وكل هذا يجعل المؤسسة الأكاديمية بطيئة الحركة، ضئيلة الإنتاجية، بعيدة كل البعد عن أساسيات الجودة ومعايير الاعتماد الأكاديمي.
بعض جامعاتنا تنشر إحصائيات بين الوقت والآخر توضح فيها كيف كانت قبل عشر سنوات وكيف أصبحت الآن باستخدام معيار مضلل وهي القفزة الهائلة في أعداد الكليات وأعداد الطلاب والأقسام والجمعيات العلمية. وإنني أتساءل: كيف تتحرك جامعة تضم بين جنباتها أكثر من 50 كلية - بخلاف الكليات المساندة - وما يقارب 40 ألف طالب وطالبة؟
ومن نتائج الترهل أيضا انتشار البيروقراطية البغيضة والعيش في نظام مغلق لا يؤثر ولا يتأثر بالمجتمع، فالجامعات المترهلة تتحاشى فتح نافذة على المجتمع لأنها تخشى كشف سوأتها فتلجأ إلى الوحدة والانكفاء على نفسها. ومن مشكلات الترهل صعوبة الرقابة، فالقيادات الأكاديمية في الجامعات المترهلة لا تستطيع أن تضبط سير الأعمال، وقد ترى الفساد يستشري في جسدها دون أن تستطيع تحريك ساكن، فتغض الطرف عن كثير من الانحرافات الأكاديمية، والإدارية، والمالية بخلاف الجامعات المشذبة والرشيقة التي تمتلك القدرة على كشف الانحراف من بدايته بل قد تتنبأ به قبل حدوثه. ومن أبرز مشكلات الترهل خوف المنظمات من التغيير، وتكون التكتلات غير الرسمية - والتي يفضل تسميتها في أدبيات إدارة الأعمال بالتنظيمات غير الرسمية - وقد تفوق سطوتها التنظيمات الرسمية فتؤثر في غالبية قرارات المجالس الأكاديمية. وعندما تنتشر هذه الأمراض في الجامعات فستتحول مع الوقت إلى أعراف وقيم جامعية ومن ثم تكون أحد أبرز مكونات الثقافة التنظيمية للجامعات، وعندها لن تستطيع قيادات الجامعات تفكيكها، لأن المكونات الثقافية للمنظمات تشابه إلى حد كبير المكونات الثقافية للمجتمعات فلا يمكن التخلص منها بسهولة لأنها تكونت خلال فترة طويلة وتحتاج المدة نفسها لتفكيكها.
ولكن كيف نخلص الجامعات المترهلة من هذا الداء؟ وكيف نعيد الحركة والرشاقة إلى جسدها؟ هناك سياسات عدة لتخليص الجامعات من الترهل منها رقابة مسيرة الجامعات وتقييمها بين الوقت والآخر، وإذا ثبت إصابتها بالترهل فيجب إعادة هيكلتها بطرق عدة منها السعي إلى تقسيمها إلى جامعتين منفصلتين (بعض جامعاتنا يمكن تقسيمها إلى خمس جامعات)، فإضافة إلى أن هذا التقسيم يخلص الجامعة من الترهل فإنه في الوقت نفسه يقدم خدمة التعليم العالي لشريحة أخرى من المواطنين يصعب عليها الحصول على التعليم العالي نتيجة صعوبة الانتقال إلى المناطق الأخرى. كما أن هذا التقسيم يشعل التنافس بين الجامعات الإقليمية والأهم من ذلك أنه يخدم الجامعة الأم فيجعلها خفيفة رشيقة فقد تخلصت من جزء كبير من حملها فيمكنها الانطلاق إلى أهدافها بسرعة ومعرفة ما يدور داخلها. وأهم ميزة عند تقسيم الجامعات المترهلة تحريك المياه الراكدة وتفكيك التكتلات التي أفرزها الترهل كالفئوية والقبلية ونحوهما.
وبعد تقسيم الجامعة المترهلة ينبغي اختيار قيادات للجامعات الناشئة من خارج الجامعة الأم حتى لا ينقلوا العدوى إلى الجامعات الوليدة فتصبح صورة من الأصل. وينبغي إعداد قائمة بأعضاء هيئة التدريس والموظفين بعد تقدير كفاءتهم من مصادر عدة ثم توزيعهم على الجامعات المنقسمة بصورة عادلة، فتتمثل العدالة هنا في توزيع الكفاءات بين الجامعات وليس الأفراد وألا يكون نقل الأستاذ أو الموظف إلى الجامعة الناشئة بسبب قربه من عائلته، أو قبيلته، أو لمصلحة يقضيها بل لمنفعة المنظمة الجديدة.
كما يجب التخلص من خطط اللعب القديم بإيقاف التوسع العشوائي للجامعات الوليدة عن طريق وضع سقف أعلى لعدد الكليات التي يجب أن تحويها كل جامعة، حيث يكون عدد كليات الجامعات من خمس إلى عشر كليات فقط بما فيها الكليات المساندة. كما يجب نشر الوعي بين القيادات الأكاديمية وتوعيتهم بأن جودة التعليم العالي لا تعني زيادة عدد الكليات، أو الأقسام، أو الطلاب، أو زخرفة الوظائف، أو ضخامة المباني بل الظفر بالمعايير الأكاديمية والتحسين المستمر للخدمات الأكاديمية.
هذه بعض المقترحات لمعالجة الترهل في الجامعات، وقد كان عرضي مقتصرا على الكليات التقليدية للجامعات المترهلة، أما الكليات الدخيلة ككليات المجتمع، وكليات المعلمين، وما في حكمها فالوضع هنا يختلف ويحتاج تفصيلا نؤجل طرحه في مناسبة مقبلة - إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي