فائض الإمدادات يساعد على كبح جماح الأسعار
شهد حزيران (يونيو) الماضي استمرار ضعف الطلب العالمي على النفط وفائض الإمدادات، حيث إن معدل الارتفاع في المخزون النفطي العالمي، بما في ذلك النفط في الخزانات البحرية العائمة، وصل إلى نحو 1.4 مليون برميل في اليوم. مع ذلك يبدو أن أسواق النفط العالمية لا تزال تعير اهتماما إلى العوامل الجيوسياسية والاقتصادية أكبر من الاهتمام الذي تعيره إلى أساسيات السوق من عرض وطلب، التي لا تزال في المؤخرة، لكنها نجحت حتى الآن في الحفاظ على أسعار النفط من العودة إلى المستويات التي كانت عليها في وقت سابق من هذا العام. ذلك أن فائض الإمدادات قد ساعد في كبح جماح الأسعار رغم المخاطر الجيوسياسية.
لا تزال هناك إشارات متضاربة وعدم يقين في أسواق النفط، حيث إن الفائض الكبير في الإمدادات مستمر، لكن من المتوقع أن يتقلص قليلا في النصف الثاني من هذا العام. الديون السيادية لمنطقة اليورو والأزمة المصرفية ما زالت مستمرة، لكن قادة الاتحاد الأوروبي اتخذوا تدابير لتفادي حدوث انهيار كبير. الاقتصاد الصيني يتباطأ بشكل واضح، لكن مع ذلك شهيتها على النفط قد لا تقل كثيرا، حيث إن الصين عازمة على الاستمرار في بناء مخزونها التجاري والاستراتيجي من النفط.
في ضوء هذه المعطيات، شهد حزيران (يونيو) تقلبات كبيرة في أسعار النفط، لكن الأسعار فشلت في الخروج من نطاق 78 إلى 88 دولارا للبرميل لخام تكساس الوسيط و90 إلى 100 دولار للبرميل لخام برنت. من المتوقع استمرار الأسعار حول هذا النطاق، ما لم تدفع بعض الأخبار الرئيسة الأسواق باتجاه أو بآخر، ربما جولة جديدة من التيسير الكمي من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أو زيادة التوتر حول برنامج إيران النووي واحتمال عرقلة الملاحة في مضيق هرمز.
لقد تراجع نمو الطلب العالمي على النفط في حزيران (يونيو) إلى أقل مستوى له في هذا العام، وتراجع الطلب على النفط في الربع الثاني ككل بعد النمو القوي نسبيا في الربع الأول، مكررا النمط الذي شهده الطلب في عام 2011. حيث تراجع نمو الطلب العالمي على النفط في الربع الثاني من هذا العام إلى 0.7 في المائة، مقارنة مع 1.5 في المائة في الربع الأول، مدعوما بتباطؤ نمو الطلب على النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي بشكل عام، والصين بشكل خاص، الذي شكل الجزء الأكبر من ذلك التباطؤ. كان الدافع الأساسي لتباطؤ نمو الطلب على النفط في حزيران (يونيو)، في الربع الثاني ككل، هو التباطؤ الكبير في النمو الاقتصادي العالمي.
على الجانب المشرق، الهبوط الكبير الذي شهدته معدلات التضخم في الأشهر الأخيرة في بعض الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي، مثل الصين وبعض الاقتصاديات الناشئة الأخرى، أدى إلى إرخاء السياسات النقدية والمالية فيها لدعم النمو الاقتصادي في الأشهر المقبلة.
ومن المتوقع الآن نمو الطلب العالمي على النفط بنحو 1 في المائة في المتوسط (أي بحدود 0.9 مليون برميل في اليوم) في كل من النصف الثاني من هذا العام وعام 2013 ككل، لكن من المتوقع أن يتراجع النمو إلى نحو 0.8 في المائة في الربع الرابع من العام المقبل. على الرغم من أن توقعات الطلب على النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي تبدو مشرقة نسبيا مدعومة بتخفيف السياسات النقدية والمالية، إلا أن النمو الاقتصادي البطيء في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي، واستمرار تضخم الأسعار في عدد من اقتصادات الأسواق الناشئة المهمة مثل البرازيل والهند من المرجح أن يؤثر أيضا على نمو استهلاك النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي في النصف الثاني من عام 2013. إن معدل الانكماش الاقتصادي في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي من المتوقع أن يزداد تدريجيا خلال عام 2013، حيث من المتوقع استمرار الجهود لتخفيض الديون في القطاع الخاص وتشدد أكثر في السياسات المالية، لا سيما في البلدان المثقلة بالديون.
من ناحية العرض، شهد حزيران (يونيو) انخفاضات في إنتاج بعض دول منظمة أوبك وفي إنتاج بعض البلدان من خارج دول منظمة أوبك أيضا قابله ارتفاعات في أماكن أخرى من هذه الدول، لكن بالنتيجة ارتفعت الإمدادات العالمية بنحو 0.6 مليون برميل في اليوم. الجزء الأكبر من هذا الارتفاع أي نحو 370 ألف برميل في اليوم أتى من الإمارات بعد انخفاض غير متوقع في إنتاجها في أيار (مايو) نتيجة أعمال صيانة رئيسة. كما ارتفع إنتاج نيجيريا من النفط بنحو 100 ألف برميل في اليوم، في حين انخفض إنتاج أنجولا بنحو 75 ألف برميل في اليوم، هذا وقد شهد الإنتاج الأنجولي صعودا ونزولا غير مبرمج منذ أكثر من سنة. أما من خارج دول منظمة أوبك، معظم الزيادة أتت من أمريكا الشمالية، على خلفية ارتفاع إنتاج النفط من طبقات الرمال المحكمة Tight Oil الغنية بالنفط في حوض باكن Bakken في ولاية داكوتا الشمالية، ومن طبقات السجيل الغازي الغنية بالنفط في ولاية تكساس وانتعاش الإمدادات من المياه العميقة في خليج المكسيك وكذلك الرمال النفطية الكندية.
أسواق النفط العالمية وهي تتجه إلى النصف الثاني من العام تشهد وفرة في الإمدادات، وتوقع ارتفاع نسبي في الطلب مقارنة بالفترة من نيسان (أبريل) إلى حزيران (يونيو). في حين تبقى هناك تساؤلات كثيرة وعدم يقين بخصوص المخزون النفطي. هل التراجع في مخزون النفط الخام الأمريكي سيستمر؟ هل فائض المخزون في منطقة كوشينج بولاية أوكلاهوما سوف يتراجع؟ ماذا سوف يحدث للخزين الإيراني العائم؟ هل ستواصل الصين بناء مخزونها الاستراتيجي من النفط الخام؟ إلى متى ستستمر السعودية بالحفاظ على مستويات مخزون مرتفعة خارج أراضيها؟
في حزيران (يونيو)، ارتفعت المخزونات العالمية للنفط الخام والمنتجات (بما في ذلك المخزونات الاستراتيجية) بنحو 1.4 مليون برميل في اليوم، للربع الثاني ككل ارتفعت بنحو 1.0 مليون في اليوم، معظم الزيادة كانت في الخزانات العائمة في البحر. شحنات النفط من ''أوبك'' ترتفع ومن المتوقع أن يستمر ذلك خلال تموز (يوليو)، غالبية هذه الشحنات تتجه نحو الشرق.
على الرغم من ارتفاع مخزونات النفط العالمية في الشهر الماضي، انهت مخزونات النفط الخام والمنتجات للدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي حزيران (يونيو) على انخفاض متواضع بلغ نحو 85 ألف برميل في اليوم مقابل أيار (مايو)، حدثت أكبر الانخفاضات في نواتج التقطير المتوسطة ـــ زيت التدفئة والديزل ووقود الطائرات.