يضيع السائح ولا يعرف كيف يعود
لا يمكن أن تنتعش السياحة الداخلية في ظل بنية تحتية غير مكتملة! وإحقاقاً للحق، لقد بُذلت بعض الجهود المشكورة لتنظيم الفنادق والشقق المفروشة، مما أسهم في الحد من التلاعب بأسعارها، ولكن هناك مشوار طويل قبل اكتمال البنية الأساسية بعناصرها الأخرى التي لا تقل أهمية. لن أتمكن ـــ في هذه المقالة ــــ من استعراض هذه العناصر أو الحديث عن مقومات السياحة الداخلية، ولكني سأركز على خدمة في غاية الأهمية لا يشعر بأهميته وقيمتها إلا من استخدمها.
بعد سنتين من نشر مقالي الأول الذي حظي باهتمام الكثيرين سواء من حيث التأييد لمحتواه لدرجة الاستفادة منه في الإعلام، أو الاعتقاد ـــ خطأ ـــ من قبل بعض القراء بأن أنظمة تحديد الأماكن المتوفرة في بعض المركبات كافية لخدمة السائق داخل مدننا وخارجها! وفي هذا اليوم أكتب عن الموضوع مرة أخرى، لشعوري بالألم بعد مرور سنتين كاملتين دون أي تقدم يُذكر في مجال خدمة المسافرين وقائدي المركبات بأنظمة تحديد المواقع المتقدمة التي تساعدهم في الوصول إلى مقاصدهم بسهولة ويسر! ينبغي أن أبدأ بالتأكيد لمن يجهل ما أتحدث عنه أنني على اطلاع على ما يتوافر في مجتمعنا من خدمات وما قامت به بعض الجهات العامة والخاصة من جهود في مجال "العنونة" أي وضع عناوين للمساكن والمحال والمعالم الرئيسة، مثل: جهود بعض أمانات المدن، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، وشركة الكهرباء، والبريد السعودي، إضافة إلى ما يُباع في الأسواق من خرائط للمدن والمناطق الصحراوية مخصصة لأنظمة تحديد المواقع GPS.
هل تصدق ــــ أيها القارئ الكريم ــــ أن يكون بإمكانك الوصول إلى أي منزل في أي مدينة كبيرة يصل عدد سكانها إلى عشرة ملايين نسمة ـــ لم يسبق لك زيارتها ــــ دون سؤال شخص واحد؟ هل تتخيل أن يكون بإمكانك معرفة مواقع فروع متجر أو مؤسسة تجارية أو مطعم معين واختيار أقرب واحد منها لتناول وجبة الغداء دون الاستعانة بخريطة ورقية أو سؤال أحد من رجال المرور أو المارة؟ هل تعرف أن بإمكانك معرفة جميع الحدائق أو المنتزهات في المدينة التي تمر بها أثناء سفرك، واختيار الأقرب لك دون عناء؟ هل تصدق أن بإمكانك زيارة مدينة كبيرة لأول مرة والتمتع بما فيها من خدمات ومعالم سياحية دون توتر أعصاب أو خشية ضياع في أزقتها وأحيائها السكنية، ومن ثم خسران وقتك الثمين؟ الإجابة نعم، ولكن ليس في مدننا أو ما حوالينا!
إن العمل على تطوير خدمات تحديد المواقع التي توجه قائد المركبة لاختيار الطريق الأنسب مع المتابعة والتنبيه الصوتي، إضافة إلى الخريطة الرقمية، أصبح ضرورة ليس لتنمية السياحة الداخلية فقط، وإنما لخدمة الأفراد والأسر والشركات. إن هذه الخدمة توفر الوقت والجهد والمال (الوقود) سواء للأفراد أو الأسر أو المؤسسات، وتقلل الازدحام الذي يحدث نتيجة ضياع قائدي المركبات واضطرارهم للدوران أو التوقف في أماكن غير مناسبة من أجل السؤال عن الطريق، ومن ثم عرقلة الحركة المرورية!
لا أدري كيف تفكر الجهات الحكومية المعنية بهذه الخدمة؟ هل تعتقد أنها تعمل على اختراع جديد لأنظمة عنونة شوارع المدن وترقيم مساكنها، وهي موجودة ومطبقة منذ عقود في المدن العالمية! أم أنها ترغب في إعادة اختراع العجلة (عجلة ذات خصوصية)؟ لقد أصبحت هذه الخدمة ضرورية للسياحة ولتوفير الوقت والجهد والوقود وتخفيف الاختناقات المرورية في شوارعنا. إن زيارة لإحدى المدن الكبرى في الشرق أو الغرب كالعاصمة الأمريكية مثلاً يغني عن كثير من الدراسات والمحاولات البائسة! أرجو أن تجد هذه المقالة آذانا صاغية من أجل خدمة قائد المركبة في بلادنا وتنشيط السياحة بها!