رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


العرب ونيلسون مانديلا

منذ نحو أسبوع وأنا في زيارة خاصة إلى جنوب إفريقيا للمشاركة في المؤتمر السنوي الذي تعقده الهيئة العالمية للبحث العلمي في حقول الإعلام والاتصالات. وسبب وجودي كان الحلقة الخاصة التي عقدها المؤتمر حول إطلاق مجلة علمية جديدة قمت بإصدارها ويشاركني في تحريرها الدكتور إبراهيم صالح، أستاذ الإعلام والصحافة في جامعة كيب تاون.
عندما وطئت قدماي أرض مطار جوهانسبرج تملكني إحساس غريب - إحساس جرني غصبا عني كي أكون جزءا من ممارسة إنسانية كان لها تأثير كبير، ليس فقط في مسار الأحداث في إفريقيا، بل في كثير من المفاهيم الإنسانية على مستوى العالم.
لهذا البلد الذي يبلغ تعداده نحو 50 مليون نسمة قصة إنسانية مثيرة. هذه القصة تشير إلى نفاق الغرب المسيحي في تعامله مع معظم الشعوب التي تختلف عنه لونا وجنسا وثقافة. قد لا يدرك كثير من القراء - ولا سيما الشباب بينهم - أن جنوب إفريقيا كانت تحكمه سلطة بيضاء نسبتها تقل عن 10 في المائة من السكان، وتطبق على أكثر من 90 في المائة من السكان غير البيض سياسة الفصل العنصري.
والفصل العنصري وما أدراك ما الفصل العنصري، حيث كانت النخبة البيضاء تستخدم الملايين من السود كعبيد بكل ما في الكلمة من معنى، واستمر هذا إلى نحو منتصف التسعينيات من القرن الماضي وبالتحديد إلى عام 1994، حيث جرت انتخابات ديمقراطية تسلم الأفارقة الحكم وأزاحوا الحكم العنصري البغيض للبيض في بلدهم.
منذ قدومي إلى هذا البلد قبل نحو أسبوع وأنا أسمع من شهود عيان أفارقة عن المآسي والظلم الذي كانت تلحقه الأقلية البيضاء بالأغلبية السوداء. لم ألتق شخصا لا يعرف عن قريب أو صديق له قتله البيض أو أودعوه السجن لسنين طويلة أو عذبوه أو أهانوه. كان البيض يسومون الأغلبية السوداء العذاب والهوان. كما منعوا الرجل الأسود أن يستخدم رصيف الشارع المخصص للرجل الأبيض وإن فعل ذلك كان مصيره السجن والعذاب.
قائد حركة المقاومة ضد الفصل العنصري كان نيلسون مانديلا. وكنت محظوظا لأن المصادفة سمحت لي أن أشارك الاحتفالات الشعبية التي أقيمت هنا بمناسبة عيد ميلاده الـ 94، حيث هتفت حناجر أكثر من 30 مليونا من سكان هذا البلد سوية، متمنية له عيد ميلاد سعيدا.
كل شيء في هذا البلد الذي يتطور بسرعة مذهلة يدور حول هذا الزعيم. لماذا؟ لأنه أظهر مقدرة كبيرة للمغفرة والتسامح مع مضطهدي ومعذبي شعبه بطرق بشعة وغير إنسانية لم تحصل في التاريخ.
عندما تسلم السود الحكم في هذا البلد برئاسة مانديلا قبل 16 عاما، كان أكثر من 90 في المائة من الشعب يعيش في ظروف مزرية ومرعبة. اليوم ترى التطور والحضارة والمدنية تقتحم المناطق القبلية النائية وترى الكهرباء والمدارس والمستشفيات والعمران يمتد إلى القرى والقصبات القاصية في قلب مناطق الزولو.
ما كان في نظر الغرب أناس من الدرجة الثانية، من كان يعامله الغرب أسوة بالحيوانات نهض اليوم وصار يقود بلدا يتبع سياسة مستقلة يتحدى فيها حتى إسرائيل. لم يتجرأ زعماء أي بلد في العالم على مقارنة ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين بممارسات الفصل العنصري إلا زعماء هذا البلد.
وأظهر الأفارقة لنا أن قبيلة خوسا الإفريقية التي ينتمي إليها نيلسون مانديلا ذات الإرث والتقليد الزولي، القبيلة التي لم يكن يرى فيها البيض إلا رمزا للتخلف والحيوانية، تتقدم من الناحية الإنسانية وتطبق ممارسات حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية وتتسامى على الغرب وشعوبه التي كانت تتباهى بمسيحيتها وكتابها وحضارتها.
نحو 30 في المائة من السكان دخلوا المسيحية، ولكن أغلبيتهم كوّنوا لأنفسهم مفهوما مسيحيا يخالف ما للغرب من المفاهيم الدينية. مسيحيتهم تستند إلى الإرث القبلي الزولي الذي يقول: ''أنا موجود، أنا هنا، لأنك موجود ولأنك معي''. الغرب المسيحي الذي أتى هنا انطلق من مفهوم: ''أنا موجود ولأنني موجود لا مكان لك في الوجود''.
نيلسون مانديلا الإفريقي من قبيلة خوسا يتغلب بمفهومه القبلي على الغرب المسيحي ويطبق بحق أتباعه في هذا البلد مفهومه القبلي المتسامح الذي ينتصر في النهاية على الذين ادعوا الحضارة والمدنية. أتساءل إن كان القراء يتفقون معي على أن العرب اليوم في حاجة إلى قادة مثل نيلسون مانديلا يرفعون شعوبهم من حال إلى حال أفضل دون عنف وإراقة دماء؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي