رمضان في ذاكرة الثقافة.. بين احتفاء الشعراء ومغالاة الفنانين
مع كل إطلالة لشهر رمضان المبارك يبادرك السؤال، من هم الذين يحتفون أكثر بهذا الشهر خلافا للعباد والناسكين، هل هم الشعراء أم الغلبة اليوم للفنانين، أم أن الكل يحتفل ولكن بطريقته الخاصة؟
رمضان في ذاكرة العرب وثقافتهم تحول من شهر للصوم والعبادة فقط إلى موسم برع فيه المنتجون في تسويق أعمالهم الفنية من برامج ومسلسلات حتى جعلوه موسم جذب فني تساق له كل عوامل المنافسة والإغراء لجذب أعين المتابعين وقلوبهم وبالتالي جيوبهم.
حين تفتش عن رمضان في ذاكرة الماضي السحيق وفي الأجيال الأولى للمسلمين تظهر لك أبيات شعر تمثل نظرة الشاعر والفنان في ذلك العصر لهذا الموسم الديني، إذ يقول أحد الشعراء:
جاء الصيام فجاء الخير أجمعه
ترتيل ذكر وتحميد وتسبيح
فالنفس تدأب في قول وفي عمل
صوم النهار وبالليل التراويح
ويقول هبة الله بن الرشيد جعفر بن سناء الملك في التهنئة بقدوم شهر رمضان من قصيدة طويلة:
تَهَنَّ بهذا الصوم يا خير صائر إلى كل ما يهوى ويا خير صائم
ومن صام عن كل الفواحش عمره فأهون شيءٍ هجره للمطاعم
وبالإمكان تسجيل بعض الوثائق التاريخية المحفوظة شعرا عن رمضان وأحداثه التي يذكرها الطبري، منها مقتل علي بن أبي طالب ـــ رضي الله عنه ــــ على يد عبد الرحمن بن ملجم ليلة الجمعة الـ13 من رمضان سنة 40 للهجرة، حين قال أبو الأسود الدؤلي
أفي شهر الصيام فجعتمونا قتلتم خير من ركب المطايا بخير الناس طرًا أجمعينا وحنّسها ومن ركب السفينا.
وعلى الطريقة القديمة ذاتها في الاحتفاء برمضان ثقافيا وإعطائه القيمة الروحية المطلوبة، يقف بعض شعراء اليوم في خانة المحتفين برمضان ولو على حساب فقدانهم لميزة التحديث والدخول في خانة المقلدين، غير أن بعضهم يعتقد أن التقليد في حفظ وصون الأهداف السامية أفضل من الإبداع فيما لا تحمد عواقبه.
وبطريقة الأولين ذاتها، يطرح الدكتور عبد الرحمن بن شميلة الأهدل رؤيته الاحتفائية برمضان مرحبا بشهر الصوم والذكر:
أَهْـلاً وَسَهْلاً بِشَهْرِ الصَّوْمِ وَالذِّكْرِ وَمَرْحَبًا بِوَحِيـدِ الدَّهْـرِ فِي الأَجْرِ
شَهْـرُ التَّرَاوِيـحِ يَا بُشْرَى بِطَلْعَتِهِ
فَالْكَوْنُ مِنْ طَرَبٍ قَدْ ضَاعَ بِـالنَّشْرِ
كَـمَ رَاكِـعٍ بِخُشُوْعٍ للإِلَهِ وَكَمْ مِنْ سَاجِـدٍ وَدُمُـوْعُ العَيْنِ كَالنَّهْرِ
فَاسْتَقْبِلُوا شَهْرَكُمْ يَا قَوْمُ وَاسْتَبِقُوا إِلَى السَّعَـادَةِ وَالْخَـيْرَاتِ لاَ الوِزْرِ
أحْيُوا لَيَالِيهِ بِالأَذْكَـارِ وَاغْتَنِمُـوا
فَلَيْلَةُ الْقَـدْرِ خَـيْرٌ فِيهِ مِـنْ دَهْـرِ
فِيْهَا تَـنَـزَّلُ أَمْـلاَكُ السَّمَاءِ إِلَى
فَجْرِ النَّهَارِ وَهَـذِيْ فُرْصَـةُ الْعُمْـرِ
فيما يضيف الشاعر أبو يحيى محمود بن عبد المنعم جابر إلى هذا المعنى قائلا:
كم قد تلطـخ مئـزري بخطيئـة
ولكم عصيت الله فـي خلواتـي
كم جئت معصية لفرط جهالتـي
فبكيـت عنـد تذكـري زلاتــي
ما راعني في الليـل إلا صائـح
قد جاء شهر الخيـر والبركـات
هذا الهلال عليـه أعظـم شاهـد
فتأهبـي يـا نفـس للخـيـرات
رمضان أقبل حامـلا مـن ربنـا
نعمـاءه والفضـل والخـيـرات
شهر بـه القـرآن أعظـم منـة
قد جاء نـورا يمحـق الظلمـات
قد بشر الهـادي بـه أصحابـه
فاسمع لبشرى صـادق الكلمـات
قد جاءكـم شهـر كريـم ليلـه
ونهـاره قـد خـص بالنفحـات
وتهب فيه نسائـم مـن رحمـة
يـا حبـذا بنسائـم الرحـمـات
وتفتحـت أبـواب جنـات بــه
هل ثم من يشـري بـه الجنـات
وتوصـدت أبـواب نـار جهنـم
ويضاعف الرحمن في الحسنـات
وتسلسل الشيطان فيـه ونسلـه
خفضوا الرؤوس ونكسوا الهامات
فيه الفريضة في الثـواب كأنهـا
سبعين فأعقل يا أخي خطراتـي
والنفل فيه فريضـة فـي غيـره
هذى فضيلـة أشـرف الأوقـات
يا ليلة في الشهر بـات مقيمهـا
بعبادة تسمـو علـى السنـوات
هي ليلة القدر التي فـي جوفهـا
وصل السما بالأرض خير صلات
وتنزلـت فيهـا لآلـئ أحـرف
أعني كـلام مفـرج الكربـات