رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التوعية الصحية والإسراف الرمضاني

يقول العاملون في مراكز الإسعاف إن مراكزهم تزدحم بالحالات الإسعافية بعد الفطور مباشرة بسبب الإسراف في الطعام والشراب دون وعي بكم ونوع المأكولات والمشروبات التي تتناسب مع حالتهم العمرية والصحية وخصوصا الحالات التي تعاني من أمراض مزمنة كالضغط والسكر، فضلا عن المرضى المسنين.
وأقول عبر سنوات طويلة ما زلنا نتصرف والأمة العربية والإسلامية جمعاء تصرفات رمضانية لا تتناسب وغايات ومقاصد شهر رمضان الكريم، حيث نسرف في استهلاك كميات هائلة من الطعام والشراب يذهب الشيء الكثير منها كنفايات، الأمر الذي يرفع الطلب بشكل كبير ويرفع الأسعار بالمحصلة على ذوي الدخل المتوسط وما دونه، كما يزداد السهر ويقل النوم وتضعف الإنتاجية وكأن رمضان الذي كان شهر الجهاد بجميع أنواعه هو شهر الكسل وتأخير مصالح وحقوق الناس، أيضا رمضان يصبح شهر المسلسلات بجميع أنواعها بما فيها تلك التي لا تراعي حرمة الشهر الكريم وطقوسه الدينية حيث الروحانيات العالية، فرمضان شهر القرآن لا شهر الفنان.
حرم الله الإسراف بقوله تعالى في الآية (31) من سورة الأعراف ''وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ''، كما حثنا رسولنا الكريم ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ على عدم الإسراف في الطعام والشراب بقوله : ''مَا ملأ آدَمِيّ وِعَاءً شَرّا مِنْ بَطْنه، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لا بُدّ فَاعلاً فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ''. ولكن سلوكنا في غير رمضان والذي يزداد سوءا في رمضان يقول إننا نفعل عكس ما أمر الله ورسوله، وهو أمر محير دون أدنى شك لكل ذي لب، إذ كيف نصوم شهر رمضان امتثالا لأمر الله ثم نتصرف بخلاف مقاصد هذا الشهر الكريم بمخالفة أوامر الله.
هل يعود ذلك لتداخل مفاهيم الكرم والإسراف؟ أعتقد أن هذا صحيح، حيث نرى الكثير من الميسورين بل وحتى من الطبقة المتوسطة الذين يضغطون على أنفسهم يقدمون لضيوفهم وفي مناسباتهم من الأطعمة والمشروبات ما لا يتفق ومفاهيم الكرم ويدخل في مفاهيم الإسراف والتبذير المضر بالمجتمع في المحصلة.
هل نعاني ضعف التوعية الدينية بخصوص مفاهيم الاقتصاد وعدم التبذير والإسراف؟ لا أعتقد ذلك فما إن تفتح المذياع أو التلفاز إلا وتجد شيخا ينصح ويوعي أفراد المجتمع بضرورة الاقتصاد والابتعاد عن مظاهر الإسراف والتبذير وتوجيه الفائض من الأموال لدعم الفقراء والمحتاجين وسد حاجاتهم.
أعتقد أن الناس لا تتجاوب بشكل إيجابي وكبير مع المغريات والإيجابيات في الدنيا والآخرة التي تتحقق من وراء الصيام وعدم الإسراف في الطعام والشراب وما يترتب على الإسراف من إثم خصوصا أن مفهوم الكرم تداخل مع مفهوم الإسراف، حيث أصبح الإسراف في تقديم الأطعمة والمشروبات نوعا من الكرم المحمود الذي يؤجر صاحبه وخلاف ذلك نوعا من البخل المذموم الذي يؤثم فاعله.
ماذا عسانا أن نفعل إذا لنتخلص من الإسراف وأضراره الاقتصادية والصحية والتي تذهب بمقاصد وفوائد رمضان الصحية أدراج الرياح؟ أعتقد أن وزارة الصحة يمكن أن تلعب دورا كبيرا في هذه المهمة خصوصا أن الناس تتراجع بشكل كبير عن التصرفات غير الصحيحة إذا وعت المخاطر المترتبة على هذه التصرفات، وبكل تأكيد الأضرار الصحية المترتبة على الإسراف في الطعام والشراب في شهر رمضان وعدم الاستفادة من فوائد هذا الشهر الصحية أمور مخيفة ومقلقة للناس متى ما أدركوها، وبالتالي سيصححوا من تصرفاهم متى ما قامت جهة معنية ذات قدرات كبيرة بتوعيتهم بتلك المخاطر.
هناك جهود حالية من جهات معنية بصحة الإنسان للتوعية بمخاطر الصيام في حالة الإسراف في الطعام خصوصا بالنسبة للمرضى والحوامل وكبار السن، ولكن بكل تأكيد هي جهود مبعثرة هناك وهناك ولا تنظمها استراتيجية واحدة ترعاها جهة معنية بصحة الإنسان مثل وزارة الصحة التي نتطلع أن تلعب دورا كبيرا في هذا المجال للحد من الإسراف والتبذير وبالتالي الحد من الطلب العالي على الأطعمة والمشروبات والأسعار في المحصلة.
الدراسات أثبتت أن للصوم دورا كبيرا وأساسيا في الوقاية من عدة أمراض أو التأثير على حالة بعض المرضى، إلا أن هذا الدور وللأسف الشديد يفتقده الكثير من الناس بسبب قلب الليل إلى نهار والإسراف في الطعام والشراب طول الليل حتى الفجر والنوم نهارا حتى قبيل الإفطار كما يفعل الكثير، وأعتقد أن وزارة الصحة يمكن أن ترسخ الفوائد الكبيرة التي تترتب على الصوم بشكل صحيح والإفطار دون إسراف، والمخاطر الكبيرة أيضا التي تترتب على الصوم الخاطئ والإسراف في الطعام والشراب بدعوى الكرم وعدم حرمان النفس مما تشتهي.
الصيام فريضة فرضها الله ــ سبحانه وتعالى ـــ على جميع الأديان ومنها الإسلام ولا يفرض الله أمرا على عباده دون فوائد فيه (وأن تصوموا خير لكم)، فليس من المعقول أن نحول تلك الفوائد التربوية والنفسية والصحية التي لا حصر لها إلى أضرار ونحن ننظر ونشتكي لبعضها البعض دون تحرك جميع الجهات المعنية لحماية الفرد والمجتمع من هذه التصرفات المنافية لتعاليم ديننا الحنيف.
ختاما: كلي أمل ورجاء أن تقوم وزارة الصحة بتوعية المواطنين والمقيمين في بلادنا بفوائد الصيام الصحية حال الالتزام بتوجيهات الخالق سبحانه وبالأضرار الصحية المترتبة على الإسراف والتبذير وذلك في إطار استراتيجية توعوية سنوية متراكمة تحقق بالمحصلة الهدف المنشود والمتمثل في الحد من الإنفاق والإسراف الهائل في الطعام والشراب في شهر نتوقع أن ينخفض في الاستهلاك إلى النصف بدل أن يزداد للضعف أو الضعفين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي