السوق العقارية بعد صدور أنظمتها الجديدة
يعد قطاع التمويل العقاري وقطاع التمويل غير المصرفي قطاعين جديدين على السوق السعودية سيريان النور قريباً بعد صدور حزمة قرارات مجلس الوزراء الموقر مطلع الشهر الحالي حول منظومة السوق العقارية. حزمة من القرارات ستسهم في تغيير تركيبة السوق العقارية وزيادة هيئاتها الرقابية والإشرافية ومنتجاتها وخدماتها وشرائحها المستهدفة. تطورات تدعو إلى النظر في مستقبل هذه المنظومة وجدوى هذه التطورات في زيادة نسبة تملك المواطنين للمساكن، وتوفير قنوات استثمارية طويلة الأجل لهم ولأجيالهم من خلال زيادة الحراك العقاري وتوزيع مراكز تأثيره في شريحة أكبر من المتداولين. ونظراً لحداثة التجربة السعودية في هذا الجانب، فإنه قد يكون من المناسب مدارسة تجارب الدول التي سبقت السوق السعودية في تطوير قطاعات تمويل عقاري خارج مظلة القطاع المصرفي.
من ضمن ما قد يحقق هذه المدارسة ما صدر عن صندوق النقد الدولي نهاية العام الماضي من دراسة هدفت إلى التعرف على المدة الزمنية التي تستغرقها الدورة العقارية في الارتفاع والهبوط. صدرت الدراسة بعنوان ''كم تستمر دورة أسعار المساكن؟'' للتعرف على المدة الزمنية لدائرة أسعار العقارات السكنية في 19 دولة من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال الفترة 1970-2010. شملت عينة الدراسة كلا من أستراليا، بلجيكا، كندا، الدنمارك، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، أيرلندا، إيطاليا، اليابان، كوريا، هولندا، النرويج، نيوزلندا، السويد، إسبانيا، سويسرا، المملكة المتحدة، وأمريكا.
ركزت الدراسة على التعرف على معدل فترة الدورة العقارية ومراحل صعود وهبوط الأسعار. اعتمدت الدراسة على تحليل سبعة معدلات ذات علاقة مباشرة بالسوق العقارية، هي أسعار شراء المساكن، أسعار إيجارات المساكن، معدل الدخل للمواطن، الناتج المحلي الإجمالي، معدل الفائدة، معدل التضخم، ومعدل عمر المواطن العامل من الطبقة الوسطى. أخذت هذه المعدلات في الدول الـ19 وبشكل ربع سنوي (أربعة فصول ربعية) خلال الفترة 1970-2010 (40 سنة) لتشكل في مجملها 160 قيمة لكل معدل. ثم قسّمت هذه المعدلات على بعضها بشكل نسبي للوصول إلى ما يشبه الرسم البياني لتوضيح سلوك وسمات الدورة العقارية في الأسواق الاقتصادية للدول الـ19. من أهم ما توصلت إليه الدراسة أن كل سوق عقارية لا بد أن تمر بدورة عقارية تمتد عبر الدورة الاقتصادية للدولة ذاتها وبشكل متجانس معها. وأن فترة صعود الأسعار خلال الدورة العقارية عادة ما تكون أطول من الناحية الزمنية من نقيضتها فترة هبوط الأسعار. وأخيراً أن النمو الاقتصادي السريع يسهم بشكل مباشر في حدوث تذبذبات في الدورة العقارية بين موجات صعود وموجات هبوط على المدى القصير.
تقودنا نتائج الدراسة إلى النظر في واقع السوق العقارية السعودية من وجهة نظر مؤشر الرقم القياسي العام لتكلفة المعيشة الصادر من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، حيث سجلت مجموعة ''الترميم والإيجار والوقود والمياه'' ارتفاعا بمقدار 0.6 في المائة نهاية حزيران (يونيو) 2012 الماضي، متأثرة بارتفاع مجموعة الإيجار بنسبة 0.6 في المائة، ما أسهم في ارتفاع المؤشر إلى 140.8 نقطة بعد أن كان عند 134.2 نقطة منتصف عام 2011. وعندما ننظر نظرة تاريخية لتطورات المجموعة ذاتها خلال العقد الماضي نجد أنها شهدت ارتفاعات مستمرة زادت حدتها في السنوات الأخيرة، حسب تقارير التضخم ربع السنوية الصادرة من مؤسسة النقد العربي السعودي.
عديدة هي الفوائد عندما نقارن معدلات الارتفاع هذه خلال الفترات الزمنية ذاتها بمعدلات مساهمة قطاع الإسكان في الناتج المحلي الإجمالي خلال مراحله الخمس المتسلسلة الماضية منذ 1960 حتى اليوم للتعرف بشكل أكثر وبأسلوب مقارنة بسمات الدورة العقارية السعودية. حيث مر قطاع الإسكان في المملكة بخمس مراحل متسلسلة أسهمت في إيصاله إلى هيئته الحالية من الإنجازات مع وجود مثيلها كما وكيفا من التحديات. الأولى ما قبل الطفرة (1960-1972)، فمرحلة الطفرة (1973-1981)، فما بعد الطفرة (1982-1990)، فالتخطيط التنموي الشامل (1991-2005)، وأخيراً إعادة البناء الاقتصادي (2006-2024) التي نعاصرها اليوم. اتسمت كل مرحلة بسمات اقتصادية وتنموية مختلفة نستطيع أن نتعرف عليها من خلال إعادة قراءة تطورات مساهمة قطاع الإسكان في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بالأسعار الجارية.
يشير تقرير مؤسسة النقد العربي السعودية الأخير إلى أن قطاع الإسكان في المملكة أسهم فيما معدله قرابة 3.68 في المائة سنويا من الناتج المحلي الإجمالي خلال مرحلة ما قبل الطفرة (1968- 1972). ثم تطور ذلك إلى 7.23 في المائة خلال مرحلة الطفرة (1973-1981)، مروراً بـ8.66 في المائة خلال مرحلة ما بعد الطفرة (1982- 1990)، وصولاً إلى 6.32 في المائة سنوياً خلال مرحلة التخطيط التنموي الشامل (1991- 2005). ثم استمر معدل المساهمة السنوي في التراجع ليصل إلى 4.45 في المائة سنويا خلال الأعوام الأربعة الماضية، التي تشكل بدايات مرحلة إعادة البناء الاقتصادي (2006-2024).
يقودنا تواضع مساهمة قطاع الإسكان في المملكة على الرغم من النمو السريع في الناتج المحلي الإجمالي وما تزامن مع ذلك من ارتفاعات في مؤشرات السوق العقارية السعودية إلى أن نخلص إلى أن السوق العقارية السعودية تعيش هذه الأيام حالة من الترقب ذات شقين متناقضين. الأول حالة من الترقب باستمرار صعود أسعار العقارات وتسجيلها مستويات عليا جديدة وغير مسبوقة. والثاني حالة من الترقب بانخفاض أسعار العقارات وملامستها مستويات القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة السعودية. حالة من الترقب المتباين نظرته بين عين البائع وعين المشتري ونظرة تفاؤل ونظرة تشاؤم بنشأة قطاعات تمويلية جديدة ومنظومة عقارية غير مسبوقة في السوق السعودية. تطورات تدعو إلى التأكيد على أهمية النظر في مستقبل المنظومة العقارية وجدوى تطوراتها الأخيرة في زيادة نسبة تملك المواطنين المساكن، وتوفير قنوات استثمارية طويلة الأجل لهم ولأجيالهم من خلال زيادة الحراك العقاري وتوزيع مراكز تأثيره في شريحة أكبر من المتداولين.