قمة «ريو+20» للتنمية المستدامة تنتهي بخيبة أمل
بعد 20 عاما من تاريخ انعقاد قمة الأرض الأولى، التي وضعت موضوع البيئة على الأجندة العالمية، انتهت في الشهر الماضي قمة ''ريو +20'' للتنمية المستدامة، على إيقاع وابل من الانتقادات وخيبة الأمل، حيث فشلت في تحقيق أي هدف من أهدافها المعلنة. كذلك ظلت قضية التمويل عالقة. ففي ظل هذه الأزمات المالية التي تعصف بميزانيات الدول الغنية، التي أثرت في إمكانية تقديمها أي تمويلات، ظل المقترح الذي تقدمت به البلدان النامية والداعي إلى إيجاد صندوق تمويلات بحجم 30 مليار دولار مجرد حبر على ورق. إن عدم إحراز أي تقدم في البرازيل لم يشكل مفاجأة لأحد، ما أعطى دلائل أخرى على أن توافق الآراء الدولية بشأن قضية تغير المناخ قد تلاشى.
إن محادثات المناخ التي حدثت أخيرا في بون انتهت أيضا بتباين في الآراء. كما أن التوقعات الحالية ضعيفة باحتمالية كسر هذا الجمود الدولي في الجولة الرئيسة المقبلة من المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. هذا يعني نهاية الآمال في احتمالية التوصل إلى اتفاق بديل لبروتوكول كيوتو لعام 1997 قبل أن ينتهي مفعوله في نهاية هذا العام.
السبب الرئيس للخلاف يتمحور حول تباين الآراء بخصوص مستوى الالتزام المطلوب القيام به من قبل الدول المتقدمة والنامية للحد من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون. كما أن المخاوف من هشاشة الاقتصاد العالمي تفاقمت وعمقت هذه الخلافات، ودفعت قضية تغير المناخ إلى أسفل جدول أعمال السياسيين والرأي العام.
هذا التراجع في الأولويات واضح حتى في الاتحاد الأوروبي، الذي كان يسعى منذ فترة طويلة إلى أن يكون الرائد في مجال ''مكافحة تغير المناخ''، لكنه يواجه الآن شللا سياسيا داخليا، فضلا عن ردود الفعل الدولية على محاولاته فرض وتيرة التقدم في هذا المجال.
إن شهية الاتحاد الأوروبي لتحمل أعباء تكاليف تدابير ''مكافحة تغير المناخ'' تراجعت وسط انقسامات كبيرة بين الدول الأعضاء الـ 27. حيث إن الدول التي تعتمد على الفحم الحجري بصورة كبيرة، على وجه الخصوص بولندا، تعارض أي خطوات من شأنها أن تضعف من إمكانية النمو الاقتصادي، ونجحت أخيرا في تمييع توجيه الاتحاد الأوروبي الجديد بخصوص كفاءة استخدام الطاقة. كما أن فشل زعماء الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى خطة لدعم نظام تداول الانبعاثات، يوضح أيضا عدم إمكانية الاتحاد في التوصل إلى اتفاق بخصوص سياسة تغير المناخ والطاقة أبعد من الإطار الحالي.
لقد عارضت بولندا باستمرار أي تحرك لتبني أهداف أكثر طموحا في إطار خريطة الطريق المقترحة لعام 2030 أو إدخال إصلاحات على نظام تداول الانبعاثات كي يتمكن من دعم أهداف انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى المستوى الذي من شأنه أن يخلق سعر كربون لائق يكفي لتحفيز الاستثمارات في التقنيات النظيفة مثل تقنية تجميع غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه.
لقد بددت أوروبا أيضا موقعها باعتبارها الرائدة عالميا في مجال تغير المناخ، وسط الغضب الدولي الواسع النطاق من محاولات بروكسل توسيع نظام تجارة الانبعاثات ليشمل الطيران وفرضت على جميع الرحلات الجوية من وإلى مطاراتها تعويض الانبعاثات على رحلاتهم بالكامل، وليس فقط على الجزء داخل المجال الجوي في الاتحاد الأوروبي. هذا وقد اتخذ عدد من البلدان موقفا حازما من هذا الإجراء، ولا سيما الصين والهند، واعتبروه إهانة من قبل الاتحاد الأوروبي وتجاوزا على الحدود الإقليمية، وهددوا باندلاع حرب تجارية ما لم يتم تجاوزه. وقالت الهند إن هذا الخلاف قد يطغى على الجولة المقبلة من محادثات كيوتو في الدوحة، في حين أن ممثلي شركات الطيران حذروا من أن هذا الإجراء قد يعرقل الجهود الجارية في الوكالة الدولية للطيران المدني لصياغة نظام عالمي لخفض انبعاثات الطيران.
على الرغم من تلاشي الآمال بسرعة في العثور على حل عالمي كبير، لكن بعض البلدان والمناطق والمؤسسات التجارية اتخذت تدابير مجزأة خاصة بها. على هامش قمة ''ريو+20'' سلط بعض دعاة حماية البيئة الضوء على بعض التقدم الحاصل في هذا الجهد، حيث أشاروا إلى عدة تطورات إيجابية، بما في ذلك الخطوات التي اتخذتها المصارف والشركات الاستثمارية في مجال قضايا المناخ، فضلا عن التعهدات الجديدة من موزمبيق وإندونيسيا للتحرك في اتجاه اقتصاد أكثر صداقة للبيئة.
هذه الجهود تضاف إلى الجهود السابقة في أماكن أخرى من العالم، على سبيل المثال الولايات المتحدة أدخلت المبادرات الإقليمية في تجارة الكربون، فضلا عن كفاءة استخدام الطاقة وغيرها من التدابير. وأسفرت هذه الجهود عن نتائج جيدة حتى الآن، حيث تظهر بيانات وكالة الطاقة الدولية لعام 2011 أن انبعاثات الولايات المتحدة من غاز ثاني أوكسيد الكربون انخفضت بمقدار 430 مليون طن متري منذ عام 2006، على خلفية تراجع استخدام النفط في مجال النقل نتيجة تحسين الكفاءة والتباطؤ الاقتصادي، فضلا عن حدوث تحول كبير من الفحم إلى الغاز الطبيعي في قطاع توليد الطاقة.
الصين، المستخدم الأكبر في العالم للطاقة، والتي لا تزال تعارض تحديد أي سقف لانبعاثات الكربون، لكنها مع ذلك تتخذ خطوات للحد من كثافة الكربون، أو كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي. على الرغم من ارتفاع انبعاثات الصين من الكربون بنسبة 9.3 في المائة أو 720 مليون طن في عام 2011، إلا أن كثافة الكربون انخفضت بنسبة 15 في المائة بين عامي 2005 و2011. من دون هذه المكاسب، لكان انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون في الصين في عام 2011 أعلى من ذلك بنحو 1.5 مليار طن.
على الرغم من أن هذه الجهود المجزأة أتاحت للبلدان والمناطق المضي قدما في العمل على ما يصلح لها، إلا أن المراقبين يرون أن هذا النهج المجزأ هو أقل فعالية من الإستراتيجيات المنسقة عالميا، ويجعل من الصعب على الشركات التخطيط.