رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الجامعات.. قوة ناعمة ومصدر لتنويع مصادر الدخل

نستطيع القول إن التعليم الجامعي في السعودية في هذه الأيام يعيش مرحلة من أهم مراحل تاريخه المديد، ونلاحظ جميعاً أن عمليات بناء واسعة للكليات والمنشآت الجامعية في كل الجامعات السعودية، وكنت أتمنى أن تأتي عمليات الإنشاء والتشييد ضمن خطة متكاملة في المنشآت والمناهج معاً هدفها استخدام التعليم الجامعي كوسيلة من وسائل استثمار الموارد الجامعية.
إن بعض الدول المتقدمة تستخدم التعليم الجامعي كوعاء من أوعية الاستثمار، وتسعى إلى جذب الطلاب للدراسة الجامعية في جامعاتها العريقة مقابل رسوم تعليمية عالية نسبياً ومصاريف يومية وشهرية يصرفها الطلاب إبّان السنوات التي يقضونها في التحصيل العلمي.
ونذكر على سبيل المثال أن الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وكندا ثم انضمت إليهم أخيرا أستراليا ترى بأن التعليم الجامعي مصدر من مصادر الدخل القومي، وتسعى هذه الدول إلى تطوير وتحسين الجامعات حتى تستقطب المزيد من الطلاب الأجانب المبتعثين للدراسة في جامعاتها المتقدمة.
ولذلك حينما انفجرت أحداث 9/11 أصدرت الولايات المتحدة قرارات أمنية معيقة لتأشيرات الطلاب السعوديين، وأسفرت هذه القرارات عن تقلص أعداد الطلبة السعوديين إلى الولايات المتحدة، وإزاء ذلك اشتكت الجامعات الأمريكية من انخفاض هائل في إيراداتها مما أقعدها عن تنفيذ برامجها التعليمية المتقدمة.
وفي المقابل، اتخذت الجامعات الأسترالية مجموعة من الإجراءات المقننة، التي تحفز الطلاب السعوديين لتغيير وجهتهم والالتحاق بالجامعات الأسترالية، كما أن الجامعات البريطانية لم تنتظر طويلاً فأصدرت تعليمات جديدة لتسهيل التحاق الطلاب السعوديين بالجامعات البريطانية.
إن الدول المتقدمة لا تنظر إلى التعليم الجامعي من باب الاستثمار الاقتصادي فحسب، وإنما تنظر إليه لتحقيق مغانم سياسية وثقافية أيضاً وبالذات مع الدول، التي لها مصالح استراتيجية مشتركة.
وفي إجازتي السنوية، التي قضيتها في بريطانيا في الشهر الماضي لاحظت أن الجامعات البريطانية تتسابق على بناء مدن جامعية تراعي في تنفيذها كل شروط البيئة النظيفة، ولقد زرت عدة جامعات ومنها جامعة نوتنجهام المرموقة، ولاحظت أن جامعة نوتنجهام بنت ''كامبس'' جديد طبقت في تنفيذه كل شروط البيئة النظيفة، سواء في مواد البناء وفي تصميم الفراغات حتى ملاحق التشييدات، كما أن الجامعة استخدمت الطاقة الشمسية على نطاق واسع في الإضاءة، ولم تستخدم البترول ومشتقاته، لأنه يلحق أضراراً بالبيئة، ويبدو أن الجامعة وهي بصدد تنفيذ مشاريعها الجديدة تريد أن تُثبت بالأدلة والبراهين الواقعية إنها تقرن النظرية بالتطبيق وأن ما يدرسه الطلاب من نظريات علمية تطبقه الجامعة على أرض الواقع في مشاريعها التطويرية.
وتقدر الحكومة البريطانية عدد الطلاب الأجانب، الذين يدرسون في بريطانيا بـ 400 ألف طالب وطالبة، وتقدر قيمة الإيرادات السنوية من التعليم للأجانب بنحو 15 مليار جنيه استرليني، وتسعى الحكومة البريطانية إلى تحقيق زيادة ملحوظة في عدد الطلاب الأجانب، الذين يدرسون في جامعاتها في السنوات المقبلة، وتنظر الحكومة البريطانية إلى الطلاب الأجانب على أنهم مصدر قيمة دائمة، فهم يأخذون معهم صداقات وولاءات إلى أوطانهم يستفاد منها في المستقبل على شكل روابط تجارية وثقافية ودبلوماسية، بمعنى أن استقطاب طلاب أكثر اليوم يعني علاقات أقوى في المستقبل، ولذلك فإن بريطانيا تسعى دائماً إلى كسب الجيل التالي من صناع الرأي في دول العالم الثالث.
ومن ناحيتها، فإن أستراليا تحرص على كسب حصة في سوق التعليم الدولي، وأعلنت الحكومة الأسترالية تحريراً شاملاً لقواعد التأشيرات الخاصة بالطلاب الأجانب.
ونحن في السعودية لدينا أكثر من 20 جامعة وعشرات الكليات الفنية التي تُعنى بالتعليم الفني، وأزعم أن الطلب على التعليم الجامعي بكل مستوياته وتخصصاته عال جداً في المنطقة العربية.
وإذا كان الطلب على التعليم الجامعي عاليا على مستوى الدول العربية، فإنه على مستوى دول الخليج أكثر من ذلك بكثير، وهذه الدول تضع المملكة العربية السعودية كخيار أول، ولذلك أمام الجامعات السعودية فرص لكي تجذب الطلاب الخليجيين، ونحن في أمس الحاجة إلى بناء الولاءات في منطقة الخليج، لأن الطرح الأجنبي الذي يُطرح الآن على الصعيد السياسي والثقافي في منطقة الخليج يجب أن يُقلقنا، ويجب أن يُحفزنا على تصميم سياسات تستهدف بناء الولاءات مع الأجيال المقبلة في دول الخليج عن طريق استقطاب الطلاب الخليجيين في الجامعات السعودية.
ولكن من المآخذ التي تؤخذ على جامعاتنا هي قضية المناهج، وحتى نجذب الطلاب الأجانب إلى جامعاتنا، فإنه يجب ألا نحشر المناهج بدروس لا تتوافق مع حاجات الطلاب الأجانب، كما يجب ألا نمنع ــــ بدون مبرر علمى ــــ تدريس علوم المنطق والفلسفة وغيرها من العلوم بدعاوى وتفسيرات غير علمية، وهو تدخل غريب في علوم تدرس في كل جامعات العالم، يجب أن نترك المقررات العلمية لحاجات الإنسان واحتياجاته العلمية ولا نخلطها بمبررات ذاتية ليس لها سند علمى مقبول، لأن تقرير المواد العلمية لا يرتهن إلى مبررات غير علمية، وإنما يرتهن إلى الاحتياج العلمي المتخصص.
وما عدا قضية المناهج، فإن جامعاتنا بإمكاناتها الزاخرة حرية بأن تتقدم لاستقبال قوافل الطلاب من كل أنحاء العالم، وبالذات من دول الخليج، التي نرتبط معها بكثير من المصالح الاستراتيجية المشتركة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي