المستقبل القريب سيشهد قبولا أكبر للتعدد الثقافي

المستقبل القريب سيشهد قبولا أكبر للتعدد الثقافي

يقال إن الساحة الثقافية رهينة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي .. فكيف تستطيع الثقافة أن تحصل على استقلاليتها وماهيتها؟
الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أشار إليها سؤالك هي التي تحرك الساحة الثقافية وتصنعها، لأن الثقافة في حقيقتها رصد وانفعال وجداني وعقلي يرصد العمل أيا كان نوعه سياسيا أو اقتصاديا واجتماعيا، ولا تعمل الثقافة إلا في هذه الدوائر الثلاث التي أشرت إليها، وللثقافة الحقيقية أن تختار طريقها إلى الواقع الاجتماعي بكل صوره وأغراضه مهما كانت هذه الأغراض، حيث تقرأ وتقوم وتصلح ما تراه واجب الإصلاح وتدفع به إلى التداول بين الناس وتقر ما تراه يخدم المصلحة العامة، والثقافة ليست شيئا يمكن تحديده وتعيينه أو حصره في أفق ضيق، لكنها احتواء كامل لجسد الحراك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أيضا، ولأن الحياة العامة والخاصة هي ما تدور حوله معاني الثقافة وموضوعاتها فإنها متعددة الوجوه والاختصاصات والأغراض، وليس للثقافة حيز تعمل فيه وتستقل به.
وقد تنهض المؤسسات الثقافية بدور فاعل في الإصلاح العام في كل الوجوه، حيث تقوم بنشر الوعي العام بين الناس لمصلحة الأمة حين لا يتخاذل المثقفون عن أداء الدور الذي يجب أن ينهض به المصلحون والمثقفون وعلية القوم حين يضعون أفكارهم ويطرحونها حتى يتفاعل العامة معها، وأثرها إيجابياً لحياة أفضل ووعي حضاري يعطي الثقافة وظيفتها المرجوة منها.

ألا ترى أن الوهن الذي اعترى الثقافة ألقى بظلاله على التقدم في جميع النواحي؟
أظنه حكما يحتاج إلى دليل على الوهن الذي أشار إليه السؤال، لأن الثقافة العامة في خير بشكل عام، وإن كان المقصود بالثقافة ما تعنيه في سياقها العام، أما إن كان المقصود بالسؤال جزءا محددا منها فقد يكون بعض جوانب الثقافة فيه ما أشرت إليه. لكن أنت تعلم أن مجالات الثقافة من الاتساع والشمول ما يجعل الحكم على جانب منها لا ينطبق على الجوانب الأخرى التي تحتملها، ولا شك أن ثمة خلافا بين المثقفين حول عوامل النهوض بالثقافة بوجه عام وعن تقويمها وعن قوتها وضعفها، ولا سيما ما يراه بعض المتابعين من أن التقدم في مسير الثقافة يحتاج إلى وسائل كثيرة قد لا تتحقق كلها في آن واحد وزمن واحد وجيل واحد، بل يتطلب الأمر التدرج بها والأخذ في الاعتبار أولويات يقدرها الذين يعملون على تطوير المجالات التي تكون نتائجها النهائية في مصلحة الثقافة بكل مناحيها وبكل مطالبها المستحقة.
مصادر الثقافة لدينا متنوعة ومتعددة، التعليم عامل مهم من عوامل النهوض في الثقافة، وهو اليوم يسير نحو الطريق الواسع وينتشر انتشارا أفقيا لا يمكن إنكاره، وهذا الحال غير في مجرى المدركات الثقافية وزاد كمية ونوعية المتعلقين بأهداب الثقافة الفكرية والثقافة العلمية والاجتماعية، وكل ذلك يجعل المستقبل القريب يشهد أداء أفضل للثقافة العامة في البلاد وقبولا للتعدد الثقافي المقبول للبنية العقلية والحضارية.
لماذا أصبح اهتمام العامة منصبا على مدح أو ذم التصنيفات الثقافية؟
التصنيفات بكل أنواعها وأغراضها سواء كانت هذه التصنيفات ثقافية أو غير ثقافية يختلف حولها الناس كل الاختلاف، ما يراه فريق ما قد لا يراه فريق آخر، أو قد يعارضه ويعاديه فريق ثالث، وهذه جدلية لا تنتهي مهما حاول الناس تجاوزها أو التسامح معها، لأن ذلك يتعلق بالقناعات الذاتية للأفراد والجماعات ويأخذ في الاعتبار الخلفيات الثقافية المعهودة، والنظم الاجتماعية مهما كان نوعها أو توجهها ومهما كانت مدارسها المختلفة، هي في النهاية آراء وفلسفات بشرية تخضع للقبول والرفض وللصواب والخطأ ولا يستغرب أن يكثر الجدل حولها حتى لدى أتباعها والمنظرين لها، أما مدح العامة أو ذمهم للتصنيفات التي ذكرت في سؤالك فهو تحصيل حاصل كما يقال، لأنها غريبة عليهم وعلى ثقافتهم وفهمهم لها جاء من دون مقدمات وتوطئة وتبعته تفسيرات أيديولوجية مصاحبة لقدوم هذه الأنظمة إليهم، وقرئت هذه الأيديلوجيات قراءات تمليها المواقف المسبقة لها أو عليها ولهذا تباينت المواقف منها.
بروفايل
ــــ هو الأستاذ الدكتور مرزوق بن صنيتان بن مرزوق بن تنباك المسروحي الحربي.

ــــــ باحث وأكاديمي وأديب سعودي وعضو في هيئة التدريس في قسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة الملك سعود.

ــــــ ولد عام 1950 - 1370 هـ في بلاد مسروح في المدينة المنورة.

المؤهلات:
1) بكالوريوس من جامعة الملك سعود، عندما كان اسمها جامعة الرياض.
2) ماجستير في الأدب في جامعة أدنبرة في بريطانيا.
2) دكتوراه في الأدب في جامعة أدنبرة في بريطانيا.
الأعمال الإدارية:
1) رائد اللجنة الاجتماعية 1403 هـ.
2) وكيل كلية الآداب 1407 هـ.
المؤلفات:
1) الفصحى ونظرية الفكر العامي 1407 هـ.
2) الغيور والصبور 1411 هـ.
3) الجوار عند العرب 1412 هـ.
4) رسائل إلى الوطن 1412 هـ.
5) في سبيل لغة القرآن 1414 هـ.
6) الثقافة: اللغة , العولمة 1420 هـ.
7) الوأد عند العرب بين الحقيقة والوهم.

الأكثر قراءة