التصوير بالرنين المغناطيسي يقرأ أفكار الدماغ حرفاً حرفاً

التصوير بالرنين المغناطيسي يقرأ أفكار الدماغ حرفاً حرفاً

عثر العلماء على طريقة لاستخدام أجهزة المسح والتصوير الدماغي، المعروفة باسم أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، من أجل قراءة الأفكار حرفاً بحرف أثناء وقوعها. وهم يشيرون إلى أن جهاز ''قارئ الأحرف أثناء المسح الدماغي'' ينطوي على إمكانية مساعدة الأشخاص المشلولين الذين لا يستطيعون الحركة أو الكلام على إجراء محادثة، خصوصاً الأشخاص الذين يعانون مما يسمى ''متلازمة الاحتباس''، وهي حالة يكون فيها المريض مستيقظاً ومدركاً لما حوله لكنه غير قادر على الحركة أو النطق.
جاء ذلك في تقرير نشر في عدد 28 حزيران (يونيو) الماضي من المجلة الإلكترونية Current Biology (علم الأحياء المعاصر)، من تأليف بتينا سورجر وعدد من الباحثين في جامعة ماسترِخت في هولندا.
يشار إلى أن قدرة التواصل لدى الإنسان تعتمد على كون الشخص قادراً على الحركة واستخدام عدد من العضلات المختلفة، من قبيل إخراج أصوات وكلمات وتشكيل اللفتات وتعابير الوجه. وللقيام بذلك لا بد أن يكون الجهاز العضلي العصبي في حالة صحية جيدة وغير مصاب بالتلف. لكن الأشخاص الذين يعانون من نقص حاد في القدرة الحركية، مثل الأشخاص المصابين بمتلازمة الاحتباس، والذين يكون الواحد منهم مستيقظاً ومدركاً تماماً لما حوله، هؤلاء الأشخاص لا يستطيعون إجراء محادثة نظراً لوجود اختلال في نظامهم العضلي العصبي.
والتحدي الماثل أمام العلماء الذي يسعون للعثور على سبل تهدف إلى تمكين الأشخاص الذين من هذا القبيل من التواصل مع غيرهم هو الاستفادة من قدرات الأجزاء المعينة من الدماغ التي تقوم بالمهام العقلية اللازمة للتواصل لكنها محرومة من السبل التي تعينها على التعبير عن هذه الأفكار من خلال الجسد، باستخدام النظام الحركي أو العضلات الإرادية.
ويرصد جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي النشاط الدماغي من خلال قياس التغيرات في حركة الدم والأكسجين في الدماغ. وحين يزداد النشاط في إحدى المناطق في الدماغ فإنها تستخدم المزيد من الأكسجين، ومن أجل الوفاء بهذه الزيادة في الطلب تزداد حركة الدم إلى المنطقة. وبالتالي يستطيع الباحثون من خلال استخدام جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي إنتاج خرائط النشاط التي تُظهِر الأجزاء الدماغية التي تكون في حالة نشاط في عمليات دماغية معينة.
وقد سبق أن استخدم عدد من علماء الأعصاب، ومن بينهم إيدريان أوين وفريقه، أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لقياس وتقييم الوعي في الأعصاب لدى الأشخاص الذين يُعتقَد أنهم في حالة من غياب الوعي التام وعدم القدرة على الحركة، وبالتالي غير قادرين على التفكير، لكنهم تمكنوا عن طريق الجهاز من الإجابة عن أسئلة معينة بنعم أو لا.
وقالت سورجر في حديث إلى الصحافة: ''إن عمل إيدريان أوين وزملائه دفعني إلى التساؤل عما إذا كان حتى من الممكن استخدام جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي والمهمات العقلية والإعدادات التجريبية المناسبة أن نتوصل إلى قراءة الأفكار، حرفاً بحرف، وأن نتوصل بالتالي إلى تمكين الأشخاص الفاقدين للقدرة الحركية من التواصل مع الآخرين''.
وفي البحث المذكور تصف سورجر وزملاؤها كيف أنهم اختبروا تقنيتهم في قراءة الأحرف. فقد طُلِب من المشاركين اختيار أحرف على شاشة أمامهم، ومقابل كل حرف كان عليهم أداء مهمة عقلية محددة لفترة محددة من الوقت. وأدت كل مهمة إلى إحداث نمط دماغي مختلف في جهاز التصوير، ومن ثَم استطاع العلماء التوصل إلى الحرف المقابل. وبحلول نهاية هذه ''الفترة التدريبية''، استطاع المشاركون إحداث 27 نمطاً دماغياً مختلفاً، بمعدل نمط واحد لكل حرف من الأبجدية بالإضافة إلى مفتاح المسافة.
وكتبت سورجر وزملاؤها: ''من خلال الاستفادة من السمات المكانية الزمانية للاستجابات في حركة الدم، التي تُستثار من خلال أداء مهمات تصويرية عقلية مختلفة خلال فترات محددة، فإن التقنية الجديدة التي طورناها لقراءة الأحرف تسمح لنا بترجمة أي جواب يختاره المشارك بحرية من خلال قراءته حرفاً بحرف ليصبح إشارات موثوقة ومميزة فيما بينها من خلال الجهاز''.
وكذلك استطاع الباحثون، من خلال ''قارئ الأحرف أثناء المسح الدماغي''، إجراء محادثات مصغرة مع المشاركين، تتألف من سؤالين وجوابين مفتوحين. وأفلح كل شخص من المشاركين في إنتاج الأجوبة خلال جلسة واحدة تتألف من ساعة. وقال الباحثون في ختام مقالهم: ''حيث إن جهاز التهجئة المقترح لا يتطلب إلا جهداً ضئيلاً وقدرا قليلاً من التدريب المسبق، فإنه قادر على التشغيل المباشر ويمتلك إمكانات قوية من أجل التطبيقات السريرية، من حيث القدرات التشخيصية ومن حيث إقامة اتصال قصير الأجل مع مرضى غير مستجيبين ومصابين بحالة حادة من فقدان القدرة الحركية''.
وأوضحت سورجر أن الفريق يريد الآن نقل هذه التقنية القائمة على جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي إلى تكنولوجيا محمولة وضمن سعر معقول، مثل أجهزة التصوير الطيفي بالأشعة القريبة من الأشعة تحت الحمراء، والتي تقيس كذلك حركة وتدفق الدم.

الأكثر قراءة